النبي كما وصفه الأخرون
أدلة الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
أدلة الإيمان بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام
العلماء قسّموا أدلة الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام إلى أربعة أدلة :
أول دليل على صدق رسول الله في أنه رسول الله, أول دليل على صدق نبوته، وصدق رسالته: هو فحوى رسالته أي تأمل في المضمون، فأي إنسان إذا نظر بإمعان العاقل المنصف فيما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام من دعوة التوحيد، من بيان لأصول العبادات ونظم المعاملات ومناهج الأخلاق, ثم يراقب موافقتها لصالح الناس, وسعادتهم في شتى مطالب حياتهم في دنياهم وفي أخراهم، يرى أن كل جزئية موافقة للحق دون مِرية, فلا تناقض في النصوص, ولا ضعف في أصول الشريعة ولا فروعها, إذا نظرت هذا النظر, ودققت هذا التدقيق, وعرفت هذه المعرفة, لاشك أنك تُسلم وتُسلّم وتعتقد وتؤمن أن هذا الذي جاء بهذا الشرع العظيم, وهذا الدستور القويم, وهذا المنهج المفصل هو رسول من عند الله سبحانه وتعالى, منهاج الكتاب, مضمون الكتاب, أسلوب الكتاب, محتوى الكتاب, بنود الكتاب, هذا في مستوى المرسل, لذلك الدين من عند الله, والله سبحانه وتعالى خالق السموات والأرض يجب أن يكون هناك تناسب بين عظمة الخالق وبين عظمة التشريع, فلابد أن تعرف عظمة التشريع من عظمة الخالق.
مبدأ المساواة بين جميع الناس والأمم
فالدين الذي يدعو إلى المساواة بين الناس هو دين الله فالكل عبيده, ، هذا دليل كبير جداً على صدق رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم, لو أن في الدين أمراً يخص أمة دون أمة، فئة دون فئة، طبقة دون طبقة، لما كان هذا الدين من عند الله سبحانه وتعالى لأن:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللّهِ، وَأَحَبُّهُمْ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالهِ[أخرجه البيهقي في الشعب ، وأبو يعلى من حديث أنس وابن عديّ من حديث ابن مسعود]فإذا نظر الإنسان في أصول هذه العقائد, في أصول هذا الدين, في أصول هذه العبادات, في نظم المعاملات، في مناهج الأخلاق, يكتشف أن هناك تناسباً بين هذا التشريع العظيم وبين خالق الكون .
ثبات التشريع
الشيء الذي يلفت النظر أن أي مؤتمر عام تشريعي, لو أنّه ضم عشرات العلماء الكبار في القانون, وشرعوا تشريعاً, تجد بعد حين يُضطرون إلى تشريع معدّل, تُعدّل المادة الفلانية بالمادة الفلانية, بعد شهرين أو أكثر يصدر تعديل آخر, هذا صنع البشر فمهما اجتهد الإنسان في سد المنافذ, يأتي إنسان أذكى ويفتح بعض المنافذ, فلذلك المشرّع دائماً واقع في دوامة مع المشرّع له، لكن المشرع إذا كان هو الله سبحانه وتعالى, تشريعه لا يحتاج إلى تعديل, ولا إلى تبديل, ولا إلى إلغاء, ولا إلى تعطيل, ولا إلى شيء من هذا القبيل, تشريعه جامع مانع .
الأوامر الشرعية وعظمتها
أول دليل يقوم على صدق نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقوم على صدق رسالته أن تنظر في فحوى رسالته، في الأوامر, بماذا أمر؟ أمر بغض البصر, أمر بالصدق, أمر بالأمانة, أمر بحسن الجوار, أمر بصلة الرحم, أمر بالإحسان, عن أي شيء نهى؟ نهى عن الكذب, نهى عن الفسق, نهى عن الفجور, نهى عن الزور, نهى عن الخيانة, نهى عن عقوق الوالدين, نهى عن الظلم, هذا تشريع إلهي, لأن هذه الأوامر وهذه النواهي تتناسب مع عظمة الله جلّ جلاله, وتتناسب مع أمره,
النجاشي حينما سأل سيدنا جعفر رضي الله عنه, فسيدنا جعفر قال:
أيها الملك, كنّا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي بالفواحش، ونسيء الجوار، ونقطع الرحم، ويأكل القوي منا الضعيف, حتى بعث الله فينا رسولاً نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه, فدعانا إلى الله لنعبده ونوّحده, لذلك فحوى الرسالة, قال له: وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوارالدين كله مكارم أخلاق .
القرآن
هل في النصوص القرآنية ما يؤكد هذا المنهج في الإيمان برسول الله؟ أول فقرات المنهج أن تنظر في مضمون هذه الرسالة, القرآن فيه جانب عقائدي, فيه جانب تشريعي، فيه تشريع شخصي: علاقة الزوج بزوجته، تشريع الطلاق، تشريع الزواج، فيه جانب اجتماعي: علاقة الأخ بأخيه، فيه جانب ينظم حياة الجماعة: البيع في الشراء, الرهن، الدين، الأمانة، فيه جانب تربوي، اقتصادي، صحي, دولي, هذا القرآن إذا تأملته وتدبرته ونفذت إلى لبّه, تعرف أن الذي جاء به رسول من عند الله سبحانه وتعالى، نادى الله الناس أن يؤمنوا بالرسول متحققين صدقه من خلال ملاحظتهم للحق الذي جاء به من عند ربهم,
قال الله تعالى :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً)[سورة النساء الآية : 170]آمن بما جاء به من الحق من ربك, ووجه الله بشدة الإنسان إلى تدبر القرآن, لأن تدبره يهدي إلى أنه حق في كل جزيئة من جزئياته, وهذا يدل على أنه من عند الله, لأنه لو كان من كلام الإنسان لاشتمل على اختلاف كثير، ومفارقات ظاهرة بينه وبين الحق، ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم هو المبّلغ لهذا القرآن, كان ذلك دليلاً على أنه رسول الله يبلّغ عنه كلامه, فبعد أن قال الله عزّ وجل لرسوله في سورة النساء :
(مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً)[سورة النساء الآية : 79]ما معنى قوله تعالى :
(وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)هذا القرآن الذي جئت به, لو تأمله الناس, لو تدبروه, لو عقلوه, لعرفوا أنك رسول, فالله شهد لهم من خلال كلامه أنه رسول, وقد جعل الله سبحانه وتعالى طاعة الرسول طاعة له
فقال تعالى :
(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيرا)[سورة النساء الآية : 82]في انسجام, في تكامل, القرآن يقدم تفسيراً شاملاً للكون والحياة، لما كان عليه الإنسان قبل أن يأتي إلى الدنيا، لما سيؤول إليه وضع الإنسان، قيم الحق والباطل، قيم الخير والشر, كل هذه الأمور جاء بها الدين, فدل بهذا على أن القرآن شاهد من عند الله على صدق رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أنّ الله سبحانه وتعالى بيّن صفة أُولي الألباب الذين أعلنوا إيمانهم بالرسول الذي ناداهم إلى الإيمان بالحق، وبادروا إلى ذلك منذ عرفوا أن جوهر رسالة محمد صلى اله عليه وسلم حقٌ لا مرية فيه,
قال تعالى :أمر الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم أن ينادي في الناس جميعاً بأنه رسول الله إليهم جميعاً, وأن يبين لهم أن جوهر الرسالة هو الإيمان بالله الذي له ملك السموات والأرض, والذي لا إله إلا هو, والذي يحيي ويميت, وأمرهم أن يؤمنوا بالله ورسوله النبي الأميّ, لافتاً نظرهم إلى أن هذا الرسول فردٌ مثلهم يؤمن هو أيضاً بالرسالة التي يحملها إليهم فيؤمن بالله وكلماته, لذلك فعليهم أن يتبعوه ليهتدوا,
قال تعالى:
(رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ)[سورة آل عمران الآية : 193]أمر الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم أن ينادي في الناس جميعاً بأنه رسول الله إليهم جميعاً, وأن يبين لهم أن جوهر الرسالة هو الإيمان بالله الذي له ملك السموات والأرض, والذي لا إله إلا هو, والذي يحيي ويميت, وأمرهم أن يؤمنوا بالله ورسوله النبي الأميّ, لافتاً نظرهم إلى أن هذا الرسول فردٌ مثلهم يؤمن هو أيضاً بالرسالة التي يحملها إليهم فيؤمن بالله وكلماته, لذلك فعليهم أن يتبعوه ليهتدوا,
قال تعالى:
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[سورة الأعراف الآية : 158]أن الله سبحانه وتعالى أمر رسوله محمداً أن يدعو أهل الكتاب إلى كلمة الحق، التي هي سواء بين جوهر رسالته وجوهر رسالات موسى وعيسى وسائر الرسل عليهم الصلاة والسلام
فقال الله تعالى :
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)[سورة آل عمران الآية : 64]كل هذه الفقرات لها محور واحد, وهو أنك إذا دققت وتأملت وتعمقت وتدبرت في مضمون الرسالة التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام, تحكم بالدليل القاطع على أنه رسول الله .
ثانياً: تميز شخصية محمد الغير عادية والتي شملت على الكمال اﻹنساني :
الدليل الثاني على أن النبي عليه الصلاة والسلام هو رسول من عند الله: لدى دراسة شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم نلاحظ أن له شخصية غير عادية, أحياناً تجلس في مجلس، شخص متفوق من حديثه, من ملاحظاته, من أسلوبه في الحديث, من لغته، من ثقافته تعرفه, فلو أنك التقيت النبي عليه الصلاة والسلام لرأيت شخصية فذة غير عادية,
انتزع إعجاب من حوله
لذلك قالوا: محمد سحر أصحابه, يعني انتزع إعجابهم, لأنه شخصية فذة, والله سبحانه وتعالى لا يصطفي لرسالته إلا صفوته من خلقه,
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)[سورة آل عمران الآية : 33]النبي عليه الصلاة والسلام سحر أصحابه بمعنى انتزع إعجابهم، تعلقوا به أيما تعلق، أحبوه حباُ فاق حدّ التصور، أطاعوه طاعة جاوزت حدود الخيال, لماذا؟ لأنه شخصية فذة, فهذه الشخصية الفذة, لا نجدها إلاّ في زمرة الأنبياء الذين اصطفاهم الله تعالى لوحيه ورسالاته,
استكمل الكمال البشري
ذلك أن شخصية النبي عليه الصلاة والسلام مصونة بالعصمة الربانية من جميع جوانبها، ومتصفة بصفات الكمال الإنساني في خلقه وسلوكه, وعصمته عن الخطأ في بيان حدود الصراط المستقيم لعقائد الناس وعباداتهم وأخلاقهم ومعاملاتهم, أما إذا درست شخصية أخرى من الشخصيات التي تميزت في الأرض، لوجدت على الرغم من عبقريته سقوطاً في بعض جوانب شخصيته، سقوطاً في أقواله أو أفعاله أو أخلاقه، لابد من جانب متميز وجانب مقصر, ليس هناك كمال مطلق, ليس هناك عصمة, ليس هناك إعداد رباني لهذا الإنسان, قد يعجبك علمه وتحتقر أخلاقه، قد يعجبك خلقه وتحتقر علمه, فالذين نبغوا في الحياة، نبغوا بجانب على حساب جانب, أما النبي عليه الصلاة والسلام فقد استكمل الكمال البشري من كل جوانبه، فمن اتصف بهذه الصفات الراقية والكمال الإنساني، لابد أن يكون رسول الله سبحانه وتعالى .
شهادة التاريخ أنه رسول الله من خلال أخلاقه وصفاته :
السيدة خديجة
نزل الوحي على النبي عليه الصلاة والسلام في غار حراء، أول ما بدىء به من الوحي, وكان لنزول الوحي وقع ثقيل على نفسه,
فرجع إلى زوجته خديجة يرجف فؤاده, ويقول: زملوني زملوني . فزملوه حتى إذا ذهب عنه الورع . فقال لخديجة واخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي.فقالت خديجة: كلا والله لا يخزيك الله أبداً, إنك لتصل الرحم وتحمل الكَلَّ وتكسب المعدوم, وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. شخصيته الفذة بفضائلها وقيمها وطباعها تتناسب مع شخصية رسول الله سبحانه وتعالى, فخديجة رضي الله عنها استدلت من خلال كمال صفاته التي تعرفها فيه أن الله لا يخزيه أبداً .
سيدنا الصديق رضي الله عنه لم يحتاج إلى أدلة تدله على صدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم حينما دعاه إلى الإسلام, لأنه عرف عنه الكثير.
النبي عليه الصلاة والسلام كان شخصية فذة قبل أن تأتيه الرسالة, كان كريماً، كان صادقاً، كان أميناً، كان عفيفاً، كان يحب الخير، كان قلبه رقيقاً، فهذه كلها صفات تليق برسول الله صلى الله عليه وسلم,
سيدنا خالد
ولما بعث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بعض أحياء العرب يدعوهم إلى الإسلام, قالوا يا خالد: صف لنا محمداً، فقال: هو رسول الله والرسول على قَدرِ المرسل,
قومه
ولما وقف النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا ونادى بطون مكة, يا بني عبد المطلب, يا بني عبد مناف، يا بني فلان, فلما اجتمعوا قال لهم :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ الأية من القرآن الكريم( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِي يَا بَنِي فِهْرٍ يَا بَنِي عَدِيٍّ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ فَقَالَ أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ قَالُوا نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلا صِدْقًا قَالَ فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ”[أخرجه البخاري عن ابن عباس في الصحيح]
ملك عُمان
ملك عُمان لما بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام, ماذا قال؟ قال: والله ما دلني على هذا النبي الأميّ إلا أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يظفر، ويُغلب فلا يضجر، ويفي بالعهد، وينجز الوعد ، وأشهد أنه نبي,
هذا كله دليل على أخلاق النبي .
ملك الروم هرقل
عن ابن عباس, أن أبا سفيان أخبره: أن هرقل عظيم الروم أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجاراً في الشام فأتوه, فدعاهم إلى مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمان،
فقال: أيكم أقرب نسباً لهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟
فقال أبو سفيان: أنا أقربهم به نسباً؟
فقال: أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره,
ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه,
فقال أبو سفيان: فو الله لولا الحياء من أن يؤثّر عليّ كذب لكذبت عنه, ثم كان أول ما سألني عنه أن
قال: كيف نسبه فيكم؟
قلت: والله هو فينا ذو نسب،
قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قبله قط؟ قلت: لا,
قال: فهل كان من أبائه من ملك؟ قلت: لا,
قال: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم,
قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون,
قال: فهل يرتد أحد منهم سخطاً لدينه بعد أن دخل فيه؟ قلت: لا,
قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت : لا,
قال: فهل يغدر؟ قلت: لا , ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها, لكي يوغر صدره,
قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم,
قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه,
قال: فبماذا يأمركم؟
قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة,
فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه: فذكرت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسبٍ من قومها، وسألتك: هل قال أحدٌ منكم هذا القول؟ فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجلٌ يتأسّى بقول قبله، وسألتك: هل من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا، قلت: لو كان من آبائه من ملك لقلت: رجل يطلب ملك أبيه, وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا, فقد أعرف أنه لم يكن ليذرالكذب على الناس ويكذب على الله عزّ وجل، وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه, وهم أتباع الرسل عادة، وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون, وكذلك أمر الإيمان حتى يتم, وسألتك: أيرتد أحد منهم بعد أن دخل في الدين؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب, وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر, وسألتك: بماذا يأمركم؟ فذكرت أنه يأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئاً, وينهانا عن عبادة الأوثان, ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف, فإن كان ما تقوله حقاً: فسيملك موضع قدمي هاتين,
في الوقت نفسه جاءه كتاب رسول الله الذي بعث به دُحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه:(بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى أما بعد, فإني أدعوك بدعاية الإسلام, أسلم تسلم, يؤتك الله أجرك مرتين, وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) .
قال أبو سفيان: فلما فرغ من قراءة الكتاب كثُر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأُخرجنا, فقلت لأصحابي حين أخرجنا: إن محمداً يخافه ملك بني الأصفر، فمازلت موقناً أنه سيظهر حتى أدخل الله عليّ الإسلام, هذه قصة تؤكد أن الإيمان برسول الله قد يكون من أخلاقه ومن صفاته الفضلى .
ثالثاً: إخبار الرسل السابقين في كتبهم ببعثة هذا الرسول :
الدليل الثالث: هو الاستدلال بأخبار الرسل السابقين بصفاته وانطباقها عليه تماماً:
تمام رسالة كل رسول أن يؤمن بمن سبقه و أن يدعو قومه إلى الإيمان بكل رسول صادق يأتي بعده
الرسل السابقون الذين جاؤوا برسالات من عند الله, في هذه الرسالات إشارات واضحة جداً إلى أنه سيأتي رسول في آخر الزمان اسمه أحمد, وله صفات معروفة مكتوبة عندهم في كتبهم المنزلة من عند الله سبحانه وتعالى, فنحن نعلم أن جميع الأنبياء عليهم السلام أخوة، لأن الذي أرسلهم هو الله سبحانه وتعالى برسالة توحيد واحدة, وإن من تمام رسالة كل رسول أن يؤمن بمن سبقه من رسل, وبما أنزل عليهم من كتب، لذلك فإن المؤمن يؤمن بالرسالات السماوية كلها وبالرسل كلهم وبالكتب المنزلة على رسله كلها، وأن يدعو قومه إلى الإيمان بما آمن، فما من مسلم إلا ويؤمن :
(آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)[سورة البقرة الآية : 285]المصدر واحد,
سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام يقول:
صلوا في كل أوقاتكم ، صلّوا وأنتم في أعمالكم ، صلوا وأنتم في بيوتكملو تتبعت الكتب السماوية على حقيقتها قبل أن يطرأ عليها التعديل والتغيير, قبل أن يطرأ عليها ما طرأ, لوجدت مضمون الكتب السماوية مضموناً واحداً لأنه من أصل واحد, إذن من تمام رسالة كل رسول أن يؤمن بمن سبقه من رسل الله، وبما أنزل عليهم من كتب, وأن يدعو قومه إلى الإيمان بما آمن, كما أن من تمام رسالته أن يدعو قومه إلى الإيمان بكل رسول صادق يأتي بعده إن لم تكن رسالته خاتمة الرسالات السماوية, وبما أنَّ رسالة الإسلام خاتمة الرسالات، فلن تجد في القرآن الكريم دعوة إلى الإيمان برسول قادم, لأن النبي عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء, لكن في الإنجيل تجد دعوة للإيمان بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام, وحيث أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يختم رسالات السماء برسالة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ويجعلها عامة للناس, فقد بشّر برسالته في كتب الديانتين اليهودية والنصرانية ليحثّ أتباعهما على اتباع رسالة محمد صلى الله عليه وسلم متى بعثه الله، وليجعل في كتبهم حجةً عليهم إذا هم أخذتهم العصبية، أو حجبهم الحسد عن أن يؤمنوا بالنبي الجديد، في الكتب السابقة إشارات واضحات إلى أنه سيأتي نبي كريم اسمه أحمد، واسمه أحمد يعني حقيقته أحمد الخلق، استمعوا إلى قول الله تعالى في القرآن الكريم :
(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)[سورة البقرة الآية : 89]كانوا أهل الكتاب قبل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام يستفتحون على كفّار العرب, أي يستنصرون عليهم إذ يدعون الله أن يرسل إليهم الرسول المنتظر لكي يتبعونه فينتصرون به على المشركين،
ربنا عزّ وجل يقول :
(الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[سورة البقرة الآية : 146](الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ) أي النبي عليه الصلاة والسلام, (كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
يعني في كتبهم آيات دالة وصريحة على بعثة النبي ورسالته وأوصافه, وتعهدُ الله عزّ وجل بأن يكتب رحمته التي وسعت كل شيء لأهل الكتاب, الذين يؤمنون بمحمد بدلائل البشارة الموجودة في كتبهم,
فقال تعالى في الأعراف :
(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[سورة الأعراف الآية : 156-157]هذه الآيات كلها تؤكد أن الله سبحانه وتعالى ذكر في الكتب السابقة آيات كثيرة عن بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى الرغم من كل التحريفات التي اصطنعها الأحبار والرهبان في التوراة والإنجيل عبر التاريخ، فقد بقي في نسخ التوراة والإنجيل حتى الآن كثير من هذه البشائر, وزاد الإنجيل على التنويه بصفات محمد فقد ذكر اسمه المشتق من معنى الحمد،
قال تعالى في القرآن الكريم :
(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ)[سورة الصف الآية : 6]
ما ورد في الأنجيل عن محمد صلى الله عليه وسلم
بعض الأمثلة من التوراة والإنجيل التي تتحدث عن بعثة النبي عليه الصلاة والسلام, ما جاء في نسخ الإنجيل وفق الترجمات العربية, أنّ اسم النبي المبشر به ” فرقليط ” هذا الاسم, اسم يوناني، تعريبه مشتق من الحمد, محمد وأحمد,
الآية 15 من إنجيل يوحنا:
” إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فرقليط آخر ليثبت معكم إلى الأبد. فأما إذا جاء الفرقليط الذي أرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من الأب ينبثق, وهو يشهد لأجلي وأنتم تشهدون لأنكم معي من الابتداء, جاء الرب من سيناء وأشرق لنا من ساعير واستعلن من جبال فاران, فاران يعني مكة ” .
مما جاء في كتب بعض الديانات الأخرى عن النبي عليه الصلاة والسلام, حينما ينحدر الفارسيون إلى الحضيض الخلقي, سيولد رجل في الجزيرة العربية يزلزل أتباعه عرشهم ودينهم وكل شيء لديهم، وسيغلب جبابرة الفرس المتغطرسين, وإن البيت المعمور الذي يضم كثيراً من الأصنام سيُطهّر من هذه الأصنام، وسيصلي الناس متجهين إليه، وسيستولي أتباعه على مدن باريس وتاوس وبلخ والمواقع الأخرى المحيطة بها, سيختلف الناس كثيراً بشأنه, أما عقلاء فارس فسينضمون إلى أتباعه .
على كلٍ هذا بحث طويل في مراجعة الكتب القديمة، والتحقيق وقراءة ما جاء فيها من بشارات, نحن نريد من هذا كله حقيقة واحدة وهي أن من تمام رسالات الرسل أن يؤمنوا بالرسالات السابقة، ويدعوا أتباعهم إلى الإيمان بالرسالات اللاحقة إن لم تكن الرسالة خاتمة الرسالات .
بعض ممن آمن ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب
حبرٌ من أحبار يهود المدينة
في يوم غزوة أحد جاء حبرٌ من أحبار يهود المدينة اسمه مُخَيريقٌ, وكان أحد بني ثعلبة إلى قومه,
فقال لهم: يامعشر اليهود, والله لقد علمتم إن نَصْرَ محمدٍ عليكم لحق,
قالوا: إن اليوم يوم السبت,
قال: لا سبت لكم فأخذ سيفه وعدته,
وقال: إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء ، ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل معه حتى قُتل،
فقال عليه الصلاة والسلام لمّا علم بالأمر:
مُخَيريقٌ خير اليهودرأى في التوراة ما يؤكد أن هذا النبي حق فذهب إليه, وقاتل معه, واستُشهد في أُحد .
النجاشي ملك الحبشة
أرسل النبي عليه الصلاة والسلام كتاباً إلى النجاشي ملك الحبشة دعاه فيه إلى الإسلام, وهو أحد الكتب التي أرسلها الرسول إلى ملوك العرب, وملوك البلاد المجاورة للبلاد العربية آنذاك, وقد حمل هذا الكتاب إلى النجاشي سيدنا جعفر بن أبي طالب ابن عم الرسول، ولما وصل إليه وعلم النجاشي مضمون كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم,
قال: أشهد بالله إنه لنبي الذي ينتظره أهل الكتاب، وقد كان النجاشي نصرانياً, ثم كتب إلى الرسول جواب كتابه إليه, فكان مما كتبه إليه:
وكان سبب إيمان النجاشي بمحمد عليه الصلاة والسلام معرفته بصفاته من الإنجيل وانطباقها عليه، سأتلو عليكم كتاب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إلى النجاشي:
” بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة. فإني أحمد إليك الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن, وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله, وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه, وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له, والموالاة على طاعته, وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله, وقد بعثت إليك ابن عمي جعفراً، ونفراً معه من المسلمين, فإذا جاؤوك فأقرهم ودع التجبّر فإني أدعوك وجنودك إلى الله, فقد بلّغتُ ونصحت فاقبلوا نصحي والسلام على من اتبع الهدى ”
فلما وصل إليه الكتاب وضعه على عينيه، ونزل من على سريره, فجلس على الأرض, ثم أسلم وكتب الجواب إلى النبي عليه الصلاة والسلام:
“بسم الله الرحمن الرحيم, إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة بن أبجر. السلام عليك ورحمة الله وبركاته, الحمد لله الذي هداني للإسلام, أما بعد, فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى, فورب السماء والأرض إن عيسى ما زاد على ما ذكرت, وقد عرفنا ما بُعثت به إلينا, وقد قربنا ابن عمك وأصحابه فأشهد إنك رسول الله صادقاً مصدقاً, وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله ربّ العالمين, وأرسلت إليك ابني أبرهة بن الأصحم بن أبجر, فإني لا أملك إلا نفسي فإن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله ”
هذا هو جواب ملك الحبشة لذلك النبي الكريم حينما جاءه وفد الحبشة أبى ألا يخدمهم إلا بنفسه, وحينما توفي ملك الحبشة صلى عليه صلاة الغائب, لأنه عدّه أحد أتباعه، هذه رسالة رسول الله لملك الحبشة, وكما قلت قبل قليل: إن سبب إسلام النجاشي هو أنّ الصفات التي جاءت عنده في الإنجيل وجدها منطبقة على النبي عليه الصلاة والسلام .
المقوقس ملك القبط
النبي عليه الصلاة والسلام أرسل كتاباً إلى المقوقس ملك القبط في الإسكندرية, قال في هذا الكتاب :
” بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط . سلام على من اتبع الهدى أما بعد, فإني أدعوك بدعاية الإسلام, أسلم تسلم, يؤتك الله أجرك مرتين, فإن توليت فعليك إثم كل القبط ” ,
قال الله :
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)[سورة آل عمران الآية : 64]أما جواب المقوقس, يقول:
” بسم الله الرحمن الرحيم, إلى محمد بن عبد الله من المقوقس. سلام عليك أما بعد، فقد قرأت كتابك وفهمت ماذكرت فيه وما تدعو إليه, وقد علمت أن نبياً قد بقي , وقد كنت أظن أنه بالشام وقد أكرمت رسولك”
وأهدى الرسول عليه الصلاة والسلام أصنافاً من الهدايا أرسلها مع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه, وكان هذا الصحابي هو الذي حمل كتاب الرسول إليه .
عبد الله ابن صوريا
عن أبي هريرة قال:
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس
فقال: أخرجوا إليَّ أعلمُكم
فقالوا: عبد الله ابن صوريا.
فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناشده بدينه وبما أنعم الله به عليهم، وأطعمهم من المن والسلوى، وظللهم به من الغمام، أتعلم أني رسول الله؟
قال: اللهم نعم، وإن القوم ليعرفون ما أعرف، وإن صفتك ونعتك المبين في التوراة ولكنهم حسدوك.
قال: فما يمنعك أنت؟
قال: أكره خلاف قومي، وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم .[ورد في الأثر]
الجارود بن العلاء من علماء النصارى
قَدِمَ الجارود بن العلاء من علماء النصارى مع وفد من قومه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقال للنبي عليه الصلاة والسلام:
والله لقد جئت بالحق، ونطقت بالصدق، والذي بعثك بالحق نبياً، لقد وجدت وصفك في الإنجيل، وبشّرَ بك ابن البتول، فطول التحية لك, والشكر لمن أكرمك، لا أثر بعد عين، ولا شك بعد يقين مديد، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول اللههذه كلها أدلة تؤكد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام, وأنَّ الرسل السابقين بُشّروا بهذه البعثة .
عبد الله بن سلام
عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَمِعَ عبد الله بْنُ سَلامٍ بِقُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهْوَ فِي أَرْضٍ يَخْتَرِفُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاثٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلا نَبِيٌّ فَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ
قَالَ أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا قَالَ جِبْرِيلُ قَالَ نَعَمْ قَالَ ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلائِكَةِ
فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ ( مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَتْ
قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلامِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ يَبْهَتُونِي فَجَاءَتِ الْيَهُودُ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ رَجُلٍ عبد الله فِيكُمْ
قَالُوا خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا
قَالَ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عبد الله بْنُ سَلامٍ
فَقَالُوا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ
فَخَرَجَ عبد الله فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
فَقَالُوا شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَانْتَقَصُوهُ قَالَ فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ” .[رواه البخاري عن أنس في الصحيح]المقصد من هذه الأمثلة والآيات، للتأكيد على أنه من الدلالة القاطعة على بعثة النبي عليه الصلاة والسلام الأوصاف الدقيقة التي جاءت في كُتب أهل الكتاب من التوراة والإنجيل .
رابعاً:الاستدلال بالمعجزة التي يجريها الله على يد النبي :
لقد علمنا من تاريخ الأمم أن كل أمةٍ جاء فيها رسول يدّعي النبوة كانت تطلب منه برهاناً على صدقه, ومن حقها أن تطالب بهذا البرهان إن لم يحصل لها العلم بنبوته من طريق آخر, وذلك للتثبت من صحة نبوته, يشهد بهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَة[ورد في الأثر]كل نبي أيده الله سبحانه وتعالى بمعجزة تُثبت لقومه أنه نبي, ما المعجزة؟ فالمعجزة: ممكنة عقلاً، ممتنعة عادةً، يجريها الله على يد من أراد أن يؤيده ليثبت بذلك صدق نبوته وصحة رسالته. الذي خلق الماء، أعطاه هذا التركيب، هذه السيولة هو الذي صممه هكذا، هو قادر على أن يجعله طريقاً يبساً, فالمعجزة ممكنة عقلاً, ممتنعة عادة, لذلك لا تُجرى إلا على يد نبي تأكيداً للناس على أن هذا هو نبي مُرسل من عند الله سبحانه وتعالى, أن يضرب موسى بعصاه الحجر فتنفجر اثنتا عشرة عيناً، هذه معجزة، أن يأتي سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، فيحيي الميت، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، أو ينبئهم بما في بيوتهم, هذه أشياء لا يستطيع بشر أن يفعلها، إنها فوق إمكانات البشر، الحواجز المادية تحجب علم البشر، سيدنا موسى أمسك العصا فإذا هي ثعبان مبين، نزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين، ضرب البحر فأصبح طريقاً يبساً، ضرب الصخر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ، هذه كلها أشياء ممتنعة عادة، ممكنة عقلاً، خالق الكون بإمكانه أن يفعل ما يشاء هو على كل شيء قدير قال الله :
(كُنْ فَيَكُونُ)[سورة يس الآية : 82]مما تعلمنا في الكيمياء أن العناصر لها نواة, وحول النواة كهارب, هناك عنصر حوله كهروب واحد، هذا أبسط العناصر، هناك عنصر حوله كهروبان وهكذا, فهناك عنصر بنيته صلبة, وهناك عنصر آخر بنيته غازية، والعناصر كما تعرفون: إما أن تكون صلبة كالمعادن وأشباه المعادن، وإما أن تكون سائلة, وإما أن تكون غازية، فبين عنصرين أحدهما صلب والآخر غازي كهروب واحد, فلو أن الله سبحانه وتعالى أجرى تعديلاً طفيفاً على بنية العنصر كان غازاً فصار صخراً، كان ماءً فصار طريقاً يبساً، فالمعجزة ممكنة عقلاً، هو الخالق، هو المصمم، هو المخطط، الذي أعطى الحديد هذه القساوة يمكن أن يجعله ليناً قال الله :
(وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)[سورة سبأ الآية : 10]ممكن أن يعيش الإنسان بدون طعام، كل شيء ممكن، لذلك ربنا عزّ وجل قال :
(فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ)[سورة الانفطار الآية : 8]فالذي صممه أن يعيش بالطعام, يمكن أن يصممه أن يعيش من دون طعام، لكن هذا الذي هو عليه الإنسان هو ليس في الإمكان أبدع مما كان, هو أنسب وضع له، فهذا الذي ينكر وقوع المعجزة فقد عطّل تفكيره, هذا الكون من صممه؟ خالقه, مادام قد صممه على هذا الوضع فبقدرة الخالق أن يصممه تصميماً آخر,على وضعٍ آخر, النار من أعطاها قدرة الإحراق؟ الله سبحانه وتعالى الذي أعطاها قدرة الإحراق يستطيع أن يسلبها هذه القدرة
قال الله :
(قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ)[سورة الأنبياء الآية : 69]قال المفسرون: لولا أن الله عزّ وجل قال:
(وَسَلامًا)لمات من شدة البرد وهو في النار قال تعالى :
(بَرْدًا وَسَلامًا)إذا فكرت في الكون تستشف عظمة الخالق، لا تستبعد أن تقع أية معجزة يجريها الله عزّ وجل على يد نبيه, فالإيمان بالمعجزة أمر ممكن عقلاً ممتنع عادة، لا يستطيع أن يفعلها سائر البشر، حينما يأتي النبي بهذا, فهذه شهادة من عند الله بأن هذا الرسول رسولي وهو صادق فيما يقول, لأن الذين يتحداهم الرسول بالمعجزة بشراً أو غيرهم، لا يستطيعون الإتيان بمثلها منفردين ولا مجتمعين في حدود قدراتهم الممنوحة لهم بحسب مستواهم, أحياناً يجري الله سبحانه وتعالى المعجزة على يد النبي من دون أن يطالَبَ بها، وأحياناً يُطالَبُ بها, فإذا جاءت من دون طلب, فمعنى ذلك أن حكمة الله سبحانه وتعالى اقتضت أن تؤيد هذا النبي الكريم بهذه المعجزة, وإن طُولب بها النبي فكان الإتيان بها تحدياً لهؤلاء المعاجزين، الذين علقوا إيمانهم بهذا النبي على أن يأتي لهم بمعجزة .
من شروط المعجزة :
العلماء وضعوا بعض الشروط للمعجزة :
1.أن تكون خارقة للعادة :
أن تكون من الأمور الخارقة للمعتاد المألوف في قوانين الكون وأنظمته الدائمة: مثلاً لو أصيب إنسان بمرض, وجاء الطبيب وفحص المريض, وعرف الداء وشخّص له الدواء, وتناول الدواء وشفي الداء، هذا أمر ممكن عادة, فلا يسمى إبراء هذا المريض بمعجزة، ولكن أن يأتي نبي كريم فيضع يده على هذا المريض فيشفى، يضع يده على عينيه فيبصر، يضع يده على جلد الأبرص فيعود جلداً ناصع البياض متألقاً، هذا هو الخارق للعادة، يجب أن تكون المعجزة خارقة للعادة, أما إن كانت وفق مألوف العادة لا ترقى إلى مستوى المعجزة .
2.التحدي :
أن يتحدى بها النبي من تناولتهم دعوته وشملتهم رسالته: فإن جرى خارق العادة على يد غير مدعي الرسالة، المتحدي بالإتيان بمثلها فإنــها لا تكون معجزة وقد تكون كرامة، يعني يجب أن تتم هذه على يد النبي نفسه، ولو تمت على يد آخر هذه ليست معجزة إنما هي كرامة .
3.أن تتعذر معارضته :
أن تَعجز الأمة وجميع البشر عن المعارضة بمثلها على الصورة الخارقة التي تم تحديهم بها: يعني أن يصل الإنسان إلى كوكب بمركبة هذا ليس بمعجـزة, لأن قوانين الأرض كلها طُبقت على هذه المركبة، فهذه المركبة فيها ضغط جوي، فيها هواء، فيها طعام، فيها اتصال لاسلكي، هذه البذلة الفضائية التي ارتداها رواد الفضاء، فيها ضغط كاف، فيها هواء مضغوط، فيها تنفس، فحينما يتم خرق العادة وفق قوانين الأرض هذا لا يُعد معجزة، ولكنه يجب أن تتم خلافاً لقوانين الأرض، حتى أن صعود الإنسان إلى القمر كان وفق قوانين الأرض، ما هي المركبة الفضائية؟ هي جميع الشروط المتوافرة على سطح الأرض جمعت في هذه المركبة, هذا وفق قوانيــن الأرض، لكن الإسراء والمعراج معجزة، لأنها خلاف القوانين التي ألفها البشر، ولكن هذه المعجزة ليست للناس، إنها خاصة بالنبي عليه الصلاة والسلام،
قال الله تعالى:
(لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا)[سورة الإسراء الآية : 1]
4.أن لا تكون مكذبة له :
يشترط في المعجزة بالإضافة إلى الشروط السابقة ألا يكون الأمر الخارق للعادة متضمناً تكذيب مدعي النبوة الذي جرى هذا الأمر الخارق على يديه: قد يأتي على يديه أمر خارق لكن يُكذبه لا يصدقه, كما حكي أن مسيلمة الكذاب لما قيل: إن محمداً وضع يده على عين أرمد فشفيت، فأرنا مثل ذلك فوضع يده على عين أرمد فعميت، هذا العمل خارق للعادة لكنه كذّبه ولم يصدقه, أما إذا طُلبت المعجزة تعنتاً، وشططاً، واستخفافاً، فأغلب الظن أن الله سبحانه تعالى لا يستجيب لهؤلاء المتعنتين، أنت كمعلم حينما تُسـأل بدافع الفهم تُجيب, أما حينما تُسأل بدافع آخر لا تجيب
قال تعالى :
(وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ)[سورة الأعراف الآية : 132]افعل ما شئت لن نؤمن بك، إذاً هؤلاء القوم لا يستحقون أن يجري الله لهم معجزة، كفار قريش طلبوا من النبي عليه الصلاة والسلام بعض المعجزات تعنتاً، وسخريةً، وتعجيزاً،
قال الله تعالى:
(وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً)[سورة الإسراء الآية : 90- 93]تعليق صغير: إن الذي يتعامى عن ما في الكون من معجزات، الكون بوضعه الراهن, بأنظمته الطبيعية، بسننه الثابتة، بقوانينه المحكمة، هو بحد ذاته معجزة، فمن تعامى عن هذه المعجزة، لن يؤمن بخرق هذه العوائد، لذلك
قال عليه الصلاة والسلام لأحد أصحابه:
حسبكم الكون معجزة[ورد في الأثر]ربنا عزّ وجل قال :
(وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)[سورة الإسراء الآية : 85]
تكريم الله للنبي محمد بأن جعل معجزته مستمرة إلى يوم القيامة :
لذلك من تكريم الله سبحانه وتعالى لنبينا عليه الصلاة والسلام أن المعجزة التي جاء بها مستمرة، وهي القرآن الكريم, أما المعجزات التي جاء بها الأنبياء انقلبت إلى أخبار, كوقائع انتهت بقيت أخباراً، لما فرعون تتبّع سيدنا موسى فانتقل من ضفة إلى أخرى كلها ماء، فهذه معجزة انتهت وبقيت خبراً, إما أن تصدقه إن كنت مؤمناً أو تكذبه إن كنت غير ذلك, لكن المعجزة التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام وهي القرآن الكريم مستمرة,
قال الله تعالى :
(وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[سورة الأعراف الآية : 73]وقال أيضاً:
(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)[سورة الإسراء الآية : 88]وقال أيضاً:
(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[سورة البقرة الآية : 23]والحمد الله رب العالمين
منقول عن: العقيدة الإسلامية : الدروس (29-30-31) الأدلة القطعية على رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , – لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
0 التعليقات:
إرسال تعليق