سيرة النبي نسبه ووصفه وخُلقه صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
النسب الذي يعود إليه النبي محمد عليه الصلاة والسلام :
كان نسب النبي إلى أشرف العرب وكان نسب أبيه وأمه يلتقيان
قال الله عز وجل :
(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)[سورة الأنعام الآية : 124]قال النبي صلى الله عليه وسلم:
الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم[أخرجه البخاري في الصحيح]
هل النبوة أمر كسبي أم أمر وهبي أم بهما معاً ؟
أيها الأخوة، النبوة هبة من الله، وفيها جانب كسبي، بمعنى:
قال الله تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)[سورة آل عمران الآية : 33]حينما يجتهد الإنسان في طلب مرضاة الله عز وجل، من كمال الله وكرمه يهيئ له عملاً يتناسب مع طموحه، والعبرة أن تطمح لعمل جليل، فالأعمال بيد الله، إذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل، ونسبه إليك، الله عز وجل يوفق، ويحفظ، ويلهم، ويجري الخير على يديك بشرط أن تطلب الخير,
ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء, وأنا أحب إليك من كل شيء[ورد في الأثر]فأنت حينما تسعى في مرضاة الله، وحينما تخطب ود الله عز وجل، فالله يهيئ لك عملاً صالحاً ترقى به عنده، وتسعد به إلى أبد الآبدين,
ابن آدم كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، كن لي كما أريد، ولا تعلمني بما يفرحك، أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد[ورد في الأثر]لو أردنا أن نضع مثالاً يوضح هذه الحقيقة: لو أرادت دولة أن تعين سفيراً في بلد مهم جداً، طبعاً تختاره من حملة الشهادات العليا، وفي بعض الدول تشترط دراسة أدبية وعلمية وحقوقية، وهذا من كسب الطالب، بعد أن تختاره تمنحه صلاحيات، وحقيبة دبلوماسية ، وتعطيه كتاباً تقدمه للدولة التي سيقوم بها، ففي هذه الوظيفة جانب كسبي، وجانب وهبي، الجانب الكسبي
قال الله عز وجل:
(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)[سورة الأنعام الآية : 124]وقول الله عز وجل:
(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)[سورة آل عمران الآية : 33]
الصفات الخَلقية للنبي محمد عليه الصلاة والسلام :
النبي صلى الله عليه وسلم صفته: كان متوسط القامة، ليس بالنحيف ولا بالجسيم، عريض الصدر، ضخم اليدين والقدمين، مبسوط الكفين، قليل لحم العقبين، يحمل في أعلى كتفه اليسرى خاتم النبوة، وهو أحسن الناس وجهاً، وهو أبيض اللون بياضاً مزهراً، مستدير الوجه، واسع الفم، طويل شق العينين، رَجِل الشعر، ولم يشب من شعره الأسود إلا اليسير , وإضافة إلى حسن خلقه، وسلامة حواسه وأعضائه فقد كان صلى الله عليه وسلم يعتني بمظهره من النظافة وحسن الهيئة .
أيها الأخوة، المؤمن لا ينبغي أن يهمل مظهره، ولا ملبسه، فقد ورد في بعض الأحاديث:
أن أصلحوا رحالكم، وحسنوا لباسكم، حتى تكونوا شامة بين الناس[ورد في الأثر]لأن الإنسان في أول لقاء الانطباع يؤخذ من هندامه، ومن مظهره، ومن نظافته، ومن رائحته العطرة، من أجل أن تكون سفيراً لهذا الدين الرباني ينبغي أن تعتني بمظهرك، فالاعتناء بالنظافة، والاعتناء بالمظهر، جزء من الدين .
ويقابل ذلك أنت حينما تزدري إنساناً لأن شكله لم يعجبك، هذا اعتراض على الله عز وجل، وزوجته عائشة رضي الله عنها قالت عن أختها صفية قصيرة،
فقال عليه الصلاة والسلام:
لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته[أخرجه الترمذي في سننه]خطأ كبير أن تعير إنساناً بشكله، أو بلونه، أو بطوله، هذا ليس من كسبه، هذا من خلق الله عز وجل، فكأنك تعترض على الله، وكأنك تزدري صنعة الله عز وجل فهذا فظاظة وللجاجة لا تليق بالمؤمن .
الصفات الخَلقية للنبي محمد عليه الصلاة والسلام :
أما صفاته الخلقية صلى الله عليه وسلم فحدثوا ولا حرج، الله عز وجل وصفه بأنه:
(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[سورة القلم الآية : 4]والخُلق أيها الأخوة جانب كسبي في الإنسان،
الله عز وجل أعطى النبي صلى الله عليه وسلم وسائل الدعوة، أعطاه ذاكرة ينفرد بها,
قال تعالى:
(سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى)[سورة الأعلى الآية : 6]أعطاه نسباً رفيعاً، ولكن حينما أثنى عليه، أثنى على خلقه، كما لو أنك منحت ابنك بيتاً ، لا يعقل أن تقيم حفل تكريم لهذا البيت، لكن تقيم له حفل تكريم إذا نال الدرجة الأولى، فالأصل أن يثنى على الإنسان بما في كسبه،
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام أوتي الكمال في أفعاله، وفي أقواله، وفي شكله، وأوتي الفصاحة، وأوتي البيان، وهو سيد ولد آدم، وأوتي المعجزات، وأوتي القرآن والوحي، وأيده الله بنصره، ومع كل هذه الخصائص,
يقول الله له:
(وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)[سورة آل عمران الآية : 159]ونستنبط من هذه الأوصاف أن المؤمن لا يتأثر الناس بكلامه بل بمعاملته، وأن دلالة الحال أبلغ من دلالة المقال، وهذا درس للآباء والمعلمين ، دلالة الحال أبلغ من دلالة المقال ، وحال واحد في ألف خير من مقالة ألف في واحد، إذاً: قوة التأثير لا تتأتى من الفصاحة، بل تتأتى من أن هذا المتكلم صادق فيما يقول، ومطبق لما يقول.
ومن أدق الآراء التي قرأتها عن أحد العلماء أن الذي يدعو إلى الله بمضمون غير متماسك، أو يدعو إلى الله بأسلوب غير علمي وغير تربوي، أو يدعو إلى الله ولا يجد مصداقية في الداعية، هذا المدعو إلى الله في هذه الطريقة لا يُعد عند الله مبلغاً، ويقع إثم تفلته من منهج الله على من دعاه بهذه الطريقة,
1.كان خلقه القرآن:
أيها الأخوة, السيدة عائشة أم المؤمنين كانت تؤكد حينما تُسأل عن خلقه, تقول:
كان خلقه القرآن[أخرجه مسلم في الصحيح]بل إن بعضهم, يقول:
القرآن كون ناطق، والكون قرآن صامت، والنبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي،
2.التواضع مع المهابة:
القاعدة أيها الأخوة أن الفضيلة وسط بين رذيلتين، التهور رذيلة، والجبن رذيلة، والشجاعة بين التهور والجبن، البخل رذيلة، وتبذير المال رذيلة، والكرم بين التبذير والبخل، فالفضيلة وسط بين طرفين .
فيا أيها الأخوة، سهل جداً أن تأخذ الحد الأقصى، سهل جداً وأنت تربي أولادك أن تكون قاسياً إلى أبعد الحدود، تضربهم ضرباً مبرحاً، وسهل جداً أن تسيبهم، ولكن البطولة أن يحبك أولادك إلى درجة عالية جداً، وأن يهابوك أيضاً لدرجة عالية جداً، هذا هو المنهج الوسطي والإسلام وسطي,
من خلال سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نجد تواضعاً مقترناً بالمهابة، فقد كان عليه الصلاة والسلام متواضعاً مع المهابة، إنسان يتواضع مع الذل، ارفع رأسك،
قال تعالى:
(وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ)[سورة الشورى الآية : 39]أحياناً يتطرف المؤمن متهماً أنه متواضع، فإذا هو ذليل، فالمتكبر على المتكبر صدقة ، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه قبيل المعركة يتبختر أمام الأعداء,
فقال عليه الصلاة والسلام:
إن الله يكره هذه المشية إلا في هذا الموطن[ورد في الأثر]أي الطرف الآخر قوي لا تراه ضعيفاً، فقد قرن تواضعه بالمهابة،
3.الحياء مع الشجاعة:
قرن حياءه بالشجاعة، في شجاعة، وفي وقاحة، وفي خجل، والخجل مرض نفسي، والوقاحة غلظة خلقية ، وبينهما الحياء والشجاعة، والحياء من علامة الإيمان، الإيمان والحياء متلازمان، فإذا نزع أحدهما نزع الآخر، فكان عليه الصلاة والسلام أشد حياء من العذراء في خدرها،
وقد رأى رجلاً استأجره يغتسل أمام الناس عرياناً، فقال له: خذ أجارتك لا حاجة لنا بك، إنك لا تستحي من الله[ورد في الأثر]لذلك علامة الإيمان الحياء،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الإيمان بضع وسبعون شعبة: فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان[أخرجه مسلم عن أبو هريرة في الصحيح]لكن هناك فرق بين الحياء والخجل، الخجل أن تستحي أن تطلب حقك، الخجل أن تستحي أن تنصح أحداً، الخجل أن تستحي أن تقول لا، ففي حياة المؤمن كلمة لا، لا ورب الكعبة، فالذي يؤكد شخصيتك أحياناً كلمة لا، لا كلمة نعم,
4.من رآه هابه ومن عامله أحبه:
ومن أدق صفاته أنه من رآه بديهة هابه، ومن عامله أحبه، له هيبة, دخل عليه رجل فأصابته رعدة،
قال سول الله صلى الله عليه وسلم:
وِّنْ عَلَيْك، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ[أخرجه ابن ماجة عن أبي مسعود في سننه]لذلك المؤمن له هيبة أما إذا عاملته أحببته،
5.كريماً صادقاً في كرمه:
وكان كريماً وصادقاً في كرمه، بعيداً عن حب الظهور، الإنسان أحياناً تذل قدمه من الكرم إلى حب الظهور، وقد علمت أن محسناً كبيراً قدم رقمًا فلكيًّا للفقراء، الرقم فلكي ، فسمع أحد الزائرين عن هذا المحسن، وعن هذا الرقم، فتمنى أن يراه، فدعي هذا المحسن إلى الطعام، ودعي الضيف معه ليلتقيا، فجاء الضيف، ولم يأت المحسن، قال: أين ضيفنا؟ قال : هو إلى جانبك، من شدة تواضعه ما عرفه، الإنسان أحيانا يدفع مبلغاً محدوداً جداً يُحب أن يملأ الدنيا ضجيجاً بهذا المبلغ.
أخوتنا الكرام، العلامة الأولى لإخلاصك أن عملك لا يزداد بالثناء، ولا يضعف بالذم، إلهي أنت مقصودي، ورضاك مطلوبي، والإنسان حينما تذل قدمه إلى استجداء المديح تضعف مكانته، الإنسان إذا ضعف إخلاصه علق الأمل على المديح، فإن شح المديح استشار من حوله ، كيف وجدت الطعام؟ أعجبك الطعام، هو يستثيره كي يمدح هذه الوليمة، كيف وجدت هذا البيت؟ كيف وجدت هذا الأثاث؟ كيف وجدت هذا الدرس؟ يستثيرك كي تمدحه، هذه حالة مرضية اسمها استجداء المديح، لذلك الإخلاص من لوازمه أنك لا تعلق أهمية لا على المادحين، ولا على القادحين، لأنك تبتغي وجه الله عز وجل، هذه علامة من علامات الإخلاص .
العلامة الثانية: أن المخلص لا يزداد عمله أمام الناس، ولا يقل في خلوته، خلوته كجلوته، وظاهره كباطنه، ومع الناس كخلوته أيضاً، وكان أميناً بأوسع معاني هذه الكلمة .
6.أميناً:
لذلك أيها الأخوة قريش تهاجمه، وترد دعوته، وتسفك دينه، وتقدح في رسالته وأموالها عنده، وحينما أراد النبي أن يهاجر ترك ابن عمه في مكانه ليرد الودائع إلى أصحابها ، وأصحابها مشركين، فما بال بعض ضعاف الدين من المسلمين اليوم إذا ذهب إلى بلاد الغرب يحصل على بطاقة ائتمان بآلاف الدولارات، ويظن أن هذه غنيمة من حقه أن يأكلها، هذا سوء فهم, هؤلاء الذين أودعوا عند النبي مالاً أليسوا مشركين؟ لمَ لم يقل هؤلاء مشركون؟ أبقى ابن عمه، ووضعه تحت خطر القتل من أجل رد الودائع لأصحابها، وما لم تكن مستقيماً مع كل الناس لا يقبلك الله عز وجل،
وقد قال الله عز وجل:
(يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا)[سورة المائدة الآية : 8]مع هؤلاء الذين تكرهونهم,
قال تعالى:
(اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[سورة المائدة الآية : 8]ما لم تكن محسناً مع الآخرين، مع البعيدين، مع الشاردين، لن يظهر دينك على أنه دين الله عز وجل .
7.صادقاً في القول والعمل:
قال عليه الصلاة والسلام:
وإن الصدق يهدي إلى البر[أخرجهما البخاري ومسلم في الصحيح]
8.مخلصاً:
فقد كان عليه الصلاة والسلام في أعلى درجات الإخلاص، والإخلاص أيها الأخوة ينفع مع قليل العمل، وعدم الإخلاص لا ينفع لا مع قليل العمل ولا مع كثيرة,
يا رب تعلمت العلم، يقال له يوم القيامة كذبت، تعلمت العلم ليقال عالم وقد قيل خذوه إلى النار، يا رب قاتلت في سبيلك، يقال له كذبت، قاتلت ليقال عنك شجاع وقد قيل خذوه إلى النار[أخرجه أحمد في مسنده]لذلك ينبغي أن نرعى قلوبنا، وأن نهتم بنوايانا،
لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
إنما الأعمال بالنيات[أخرجهما البخاري ومسلم في الصحيح]
9.فصيح اللسان:
أيها الأخوة, كان فوق كل هذا فصيح اللسان،
ويقول صلى الله عليه وسلم:
أنا أفصح العرب بَيد أني من قريش[ورد في الأثر]وقد يقال جمال الرجل فصاحته، والفصاحة ككأس من الماء، المعاني مضمون هذا الكأس، والفصاحة شكل هذا الكأس، فأنت لا تقبل على شراب نفيس بكأس لا يليق، كما أنك لا ترضى أن تشرب شراباً خسيساً بكأس نفيس، فلا بد من أن يجتمع المضمون مع الشكل، والمؤمن له شكل مقبول، فصيح اللسان,
10.ثابت الجنان:
وكان صلى الله عليه وسلم ثابت الجنان، في حنين وكانت معركة حنين فاصلة، فأخذ تراباً وذره في عيون القوم
قال صلى الله عليه وسلم:
أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب[أخرجهما البخاري ومسلم في الصحيح]وقد قال سيدنا علي رضي الله عنه:
كنا إذا حمي الوطيس لذنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن أحد أقرب إلى العدو منهأيها الأخوة, كان عليه الصلاة والسلام قوياً في عقله, وكان عليه الصلاة والسلام رحمةً للكبير والصغير، لين الجانب، رقيق المشاعر,
11.يحب الصفح والعفو عن المسيء:
وإليكم مثال ذلك: حاطب بن بلتعة ارتكب خيانة عظمى، كتب كتاباً إلى قريش إن محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم، في كل نظام العالم جزاء الخيانة العظمى الإعدام، فجاء عمر، وقال: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: لا يا عمر، إنه شهد بدراً، لم يهدر عمله السابق، تعال إلي يا حاطب، ما حملك على ما قلت؟ قال: والله يا رسول الله، ما كفرت ولا ارتدت، لكن كنت لصيقاً في قريش، فأردت في هذا الكتاب أن أحفظ مالي وأولادي، وأن واثق أن الله سينصرك، فاغفر لي ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: إني صدقته فصدقوه، ولا تقولوا فيه إلا خيراً، فكان يحب العفو, والصفح عن المسيء .
جاء عكرمة مسلماً، من عكرمة؟ ابن أبي جهل، ألد أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفنن عشرين عاماً للنيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم,
قال عليه الصلاة والسلام:
يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت[ورد في الأثر]عليه الصلاة والسلام صابراً في مواطن الشدة، وكان جريئاً في قول الحق .
12.صفة الأدب التي كان يتحلى بها النبي الكريم :
لقد كان صلى الله عليه وسلم وافر الأدب،
كان يقول صلى الله عليه وسلم:
أدبني ربي فأحسن تأديبي[خرجه ابن السمعاني في أدب الإملاء عن ابن مسعود]وحينما قال صلى الله عليه وسلم:
بني الإسلام على خمس[أخرجهما البخاري ومسلم عن ابن عمر في الصحيح]تبين من هذا الحديث أن الإسلام بناء أخلاقي، وأن دعائمه أركان هذا الدين،
يؤكد هذا المعنى أن العالم الجليل ابن القيم يقول:
الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان
13.متواضع:
كان صلى الله عليه وسلم وافر الأدب، جم التواضع، وعلامة إيمانك بالله التواضع، وعلامة تعظيمك لله التواضع، لأن الربَ ربٌ، والعبدُ عبدٌ، شأن العبد التواضع، وشأن الله سبحانه تعالى أنه عظيم، وأن كل شيء يصدر عنه عظيم، وأن الذي لا يرى عظمة الله يستحق خسارة أبدية لا توصف .
سافر مع أصحابه، وقال أحدهم: علي ذبح الشاة، وقال الثاني: علي سلخها، وقال الثالث: وعلي طبخها، وقال عليه الصلاة والسلام: علي جمع الحطب، يقال له: يا رسول الله، نكفيك ذلك، يقول: قد علمت أنكم تكفوني، ولكن أكره أن أتميز عليكم، فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزا على أصحابه[ورد في الأثر]كان عليه الصلاة والسلام, يقول:
برئ من الكبر من حمل حاجته بيده، وبرئ من النفاق من أكثر من ذكر الله، وبرئ من الشح من أدى زكاة ماله[ورد في الأثر]وإذا حملت حاجتك بيدك، ولتكن مرتبتك أية مرتبة، برئت من الكبر، وقد علمنا ألا نسأل الناس شيئاً .
كان الصحابي الجليل ينزل عن ناقته ليلتقط زمام ناقته، ولا يسأل أصحابه أن يعطوه الزمام، لم يكن يأنف من عمل لقضاء حاجته، أو حاجة صاحب أو جار، كان في خدمة أصحابه،
لما كانت معركة بدر كان الصحابة ثلاثمئة رجل أو يزيدون قليلاً، وكانت الرواحل قليلة، فقال عليه الصلاة والسلام:
: وَأَنَا وَعَلِيٌّ وَأَبُو لُبَابَةَ عَلَى رَاحِلَةٍ، فَكَانَ أَبُو لُبَابَةَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَتْ نَوْبَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ـ دورُه في السَّيْرِ ـ فقالا له : نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ ـ ليظلَّ راكباً ـ فقال : مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي عَلَى السَّيْرِ، وَلاَ أَنَا بِأَغْنَى مِنْكُمَا عَنِ الأَجْرِ[أخرجه النسائي في السنن الكبرى]
14.كان يبدأ الناس بالسلام :
كان عليه الصلاة والسلام, يقول:
أفشوا السلام بينكم[أخرجه أحمد في مسنده عن الزبير بن العوام]السلام من سمة المؤمنين، إلقاء السلام سنة مؤكدة، لكن رد السلام فريضة، وأنت حينما تقول لمن تلتقي به: السلام عليكم فقد جعلت العلاقة بينك وبينه علاقة سلام، كان يبدأ الناس بالسلام ،
15.ينصرف بكله إلى محدثه، وتراه يصغي للحديث بسمعه وبقلبه:
وينصرف بكله إلى محدثه، وتراه يصغي للحديث بسمعه وبقلبه، ولعله أدرى به، هناك من يتعلم فن الكلام، لكن النبي عليه الصلاة والسلام علمنا فن الكلام، وعلمنا فن الاستماع، ولا يتقن فن الاستماع إلا القلة، يتقن فن الكلام كثيرون من البشر، لكن الذين يتقنون فن الاستماع قليلون جداً، فكان يصغي إلى محدثه، ينصرف بكله إلى محدثه، وهذا تكريم له، وهذا أدب ما بعده أدب أن تستمع، أحياناً الإنسان لا يصغي إلى من يحدثه، ولو كان أقرب الناس إليه .
16.عند المصافحة لا يسحب يده حتى يسحبها الآخر:
أما إذا صافحه أحد أصحابه فكان آخر من يسحب يده إذا صافح إلى أن يسحب الصحابي يده من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن تسلم على الناس بحرارة، بمودة، بطلاقة وجه، أن تسألهم عن أحوالهم، وعن أولادهم، وعن صحتهم وعن معاشهم، وعن أعمالهم، هذا منتهى الأدب، ومنتهى الود .
17.كان يصغي للزوجة ويتبادلا الحديث معاً :
كان عليه الصلاة والسلام يصغي إلى زوجته، وأحياناً بعد مضي وقت من الزواج ترفع الكلفة بين الزوجين، فقلّمَا يصغي الزوج إلى زوجته، لكنه عليه الصلاة والسلام أصغى إليها كثيراً، وقد حدثته عن قصص كثيرة، حدثته مرة عن أبي زرع حديثاً طويلاً، وتحدثت عن محبته لأم زرع، وعن وفائه لها، ثم أسفت أشد الأسف, حينما قالت: لكنه طلقها، فقال عليه الصلاة والسلام:
أنا لكِ كأبي زرع، لكني لا أطلقك .
18.إذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين:
وهذا أيضاً نوع من الأدب، لا أن تلقي عليه مبلغاً من المال إلقاء، لا أن تكلف أحد أن يعطيه هذا المال،
19.وإذا جلسَ جلس حيث ينتهي به المجلس:
أناس كثيرون إذا دعوا إلى احتفال إن لم يكن لهم مكان في الصف الأول غضبوا أشد الغضب، لم يُرَ ماداً رجليه قط ولا بين أصحابه، وهذا أدب جم، هناك جلسة فيها أدب، هناك وقفة فيها أدب، هناك حركة فيها أدب، هناك نظرة فيها أدب .
20.كان يذهب إلى السوق ويحمل بضاعته بيده :
كان يذهب إلى السوق، ويحمل بضاعته, ويقول: أنا أولى بحملها، الله عز وجل وصف الأنبياء,
فقال الله تعالى:
(إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ)[سورة الفرقان الآية : 20]وفي هذه الآية ملمح دقيق، أن هذا الإنسان الذي يأكل الطعام ليس إلهاً، الإنسان الذي يفتقر في وجوده، وفي استمرار وجوده إلى الطعام، لا يمكن أن يكون إلهاً، بل إن الإنسان مفتقر مرتين، مفتقر إلى أن يأكل، ومفتقر إلى تحصيل ثمن الطعام،
21.كان يلبي دعوة من دعاه :
كان عليه الصلاة والسلام يجيب دعوة الحر والعبد والمسكين،
وكان يقول صلى الله عليه وسلم:
من دعي ولم يلبي فقد عصا أبا القاسم[أخرجه أحمد في مسنده]وكان يقول عليه الصلاة والسلام:
لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع لقبلت[أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة في الصحيح]وقد دعي مرةً، وقدّم له خل,
فقال عليه الصلاة والسلام:
نعم الإدام الخل[أخرجه مسلم عن عائشة في الصحيح]وأنت حينما تدعى إلى طعام، أو إلى احتفال، أو إلى عقد قران، يجب أن تعلم أن تلبيتك لهذه الدعوة نوع من العبادة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيب دعوة من دعاه ، لكن الناس أحياناً يجيبون دعوة الأقوياء والأغنياء، ولا يجيبون دعوة الفقراء، وهذا مأخذ كبير على الإنسان .
22.كان يقبل عذر المعتذر :
كان عليه الصلاة والسلام يقبل عذر المعتذر، العظماء أيها الأخوة يغفرون الزلات، ويقبلون الأعذار،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من أتاه أخوه متنصلا فليقبل ذلك منه محقا أو مبطلا[أخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة]كان يقبل عذر المعتذر، كان يخصف نعله، ويخدم نفسه، ويعقل بعيره، ويكنس داره ، وكان في مهنة أهله، أي في خدمة أهله، أناس كثيرون يترفعون أن يقوموا بأعمال في المنزل، لكن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا أنك إذا قمت في بعض الأعمال في المنزل تمتنت العلاقة بينك وبين زوجتك .
23.كان يأكل مع الخادم ويكرم الضيف :
كان صلى الله عليه وسلم يأكل مع الخادم، ويقضي حاجة الضعيف والبائس،
جاءه ملك من ملوك الغساسنة، عدي بن حاتم، يظنه ملكاً أو يظنه نبياً، هو في حيرة، فلما لقيه سأله عن اسمه وتكريماً له دعاه إلى بيته، وفي الطريق استوقفته امرأة مسنة، فوقف معها طويلاً تكلمه في حاجتها، فقال في نفسه: والله ما هذا بأمر ملك، إنه نبي، فلما دخل إلى بيته أعطاه النبي وسادة من أدم محشوة ليفاً، قال: اجلس عليها، قلت: بل أنت، قال: بل أنت، فجلست عليها، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأرض,
أرأيت إلى هذا التواضع, وإلى تكريم الضيف.
24.كان دائم الفكر , متواصل الأحزان , يحمل هم أمته :
كان صلى الله عليه وسلم يمشي هوناً، خافض الطرف، متواصل الأحزان لأنه يحمل هم البشرية ونحن إن حملنا همّ أسرتنا هذا عمل طيب، وإن حملنا هم الأسرة الكبيرة هذا عمل أطيب، أما حينما تحمل هم الأمه فهذا عمل عظيم،
كان يقول صلى الله عليه وسلم:
لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا، ولضحكتم قليلا[أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء]كان يمشي هوناً، وهناك ملمح في معنى يمشي هوناً، أي أن الدنيا لا تشغله عن هدفه الكبير، وأن مشكلات الدنيا لا تصرفه عن معرفة ربه، ولا عن طلب مرضاته، أناس كثيرون أقل مشكلة تنهي تطلعهم إلى الآخرة، أقل قضية مزعجة تصرفهم عن طلب الحق،
وقد وصف الله جل جلاله عباد الرحمن:
(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً)[سورة الفرقان الآية : 63]يعني يفكرون في آخرتهم، هدفهم واضح، هدفهم كبير، مشكلات الدنيا لا يسمحون لها أن تشغلهم عن آخرتهم، ولا عن تحقيق أهدافهم، متواصل الأحزان، دائم الفكر، هذا الفكر يعد أعظم منحة منحنا الله إياها، هذا الفكر من أجل أن تعرف الله به، ومن أجل أن تبحث عن طرق رضوانه، لكن معظم الناس أعملوه لغير المهمة التي خلق لها .
25.كان يألف ويؤلف :
كان دمثا رقيق الحاشية، يألف ويؤلف, كان دمثا ليس بالجاحد، ليس الذي ينكر المعروف، قبيل وفاته وقف صلى الله عليه وسلم خطيباً،
وقال صلى الله عليه وسلم:
من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه، ألا ومن كنت قد شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليستقد منه، لا يقولن رجل : إني أخشى الشحناء من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا وإن الشحناء ليست من طبيعتي ولا من شأني[ورد في الأثر]
26.انظر إلى تعظيمه للنعمة :
كان صلى الله عليه وسلم يعظم النعمة مهما دقت، أن تشرب كأس ماء هذه نعمة لا يعرفها إلا من أصيب بالفشل الكلوي، أن تنام مرتاحاً هذه نعمة لا يعرفها إلا من فقد نعمة النوم، أن تدخل إلى بيت يؤويك,
كان عليه الصلاة والسلام, يقول:
الحمد لله الذي آواني ، وكم من لا مأوى له[أخرجه الترمذي في سننه]وإذا استيقظ من منامه, يقول:
الحمد لله الذي رد إلي روحي، وعافاني في بدني وأذن لي بذكره[أخرجه الترمذي في سننه]نحن غارقون في نعم لا تعد ولا تحصى، ومع ذلك نكثر الشكوى .
إنسان أخذ من ثوبه قشة فرفع يديه، وقال: جزاك الله خيراً،
27.لا يرد سائل:
من سأله حاجة لم يرده إلا بها,
يا رسول الله، لمن هذا الوادي، قال: هو لك، قال: أتهزأ بي؟ قال: لا والله، هو لك, قال: أشهد أنك رسول الله، تعطي عطاء من لا يخشى الفقر[ورد في الأثر]
28.يصبر على الغريب:
يصبر على الغريب،
جاء أعرابي وبال في المسجد، فقام إليه الأصحاب، قال: دعوه ، لا تزرموا عليه بوله، فلما انتهى, قال: يا أخا العرب، إن هذا المكان ليس لهذا الذي فعلت، فقال: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، قال: يا أخي، لقد حجرت واسعاً[أخرجه البخاري في الصحيح]
29.معاملته مع الناس :
كان عليه الصلاة والسلام بشوشاً، ضاحكاً، يلقي أصحابه بالبشاشة،
وقد قال:
تبسُّمُكَ في وجهِ أخيكَ لكَ صدَقةٌ[أخرجه الترمذي عن أبي ذر في سننه]لكنه كان على درجة عالية من الحكمة، ومن أخذ الحيطة .فكان عليه الصلاة والسلام يحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوي بشره عن أحد،
كان صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، لم يكن يعيش في برج عاجي، بعيد عن هموم الناس، كان يحمل هموم الناس، ويحل مشكلاتهم, ومن كرم أخلاق الإنسان، إذا كان هناك مشكلة سأل عنها، وبحث عن أسبابها، وسار في طريق حلها،
كان يحسن الحسن ويصوبه, ويقبح القبيح ويوهنه، عمل حسن يجب أن تصوبه، وأن تثمنه, وأن تثني على فاعله، هناك إنسان لا يتكلم بكلمة، قناص يبحث عن الخطأ فقط، أما الإنسان الكامل إذا رأى عملاً طيباً، رأى موقفاً أخلاقياً، رأى موقفاً كريماً يثني على صاحبه,
كان يتفاعل مع الأحداث، لا يقصر عن حق ولا يجاوزه، أحيانا يتجاوز الإنسان الحدود التي رسمت له، وأحيانا يقصر عن الواجبات التي كلف بها .
كان صلى الله عليه وسلم ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب، ولا عياب، هذا الذي يبحث عن العيوب، هو قناص، أينما رأى عيباً ذكره، ووسع دائرته, وعممه على كل الناس,
وكان لا يذم أحداً، ولا يعيره، الذنب شؤم على غير صاحبه، إن ذكره فقد اغتابه، وإن عيره فقد ابتلي به، وإن رضيه شاركه في الإثم،
كان يعلمنا إذا رأيت صاحب مصيبة أحمد الله أنك معافى من هذه المصيبة،
ولا يتكلم إلا فيما يرجى ثوابه , قد تجلس في مجلس 90% من الكلام لا معنى له ، ولا طائل منه، وليس له فائدة، وليس له معنى، كلام فارغ،
يضحك مما يضحك منه أصحابه، يعيش معهم، هذا الذي يجلس مع قوم دون أن يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، ليس منهم، موقف في جفاء، فيه ترفع، فيه استعلاء .
كان صلى الله عليه وسلم شيء شغل الناس يشاركهم بانشغالهم، شيء أقلق الناس يشاركهم في قلقهم، شيء أفرح الناس يشاركهم في فرحهم،
كان لين العريكة , لطيف المعشر ,
كان صلى الله عليه وسلم وسطيا, ولا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، هذه بطولة، آلاف مؤلفة حوله كل واحد من أصحابه يظن أنه أقرب الناس إليه، من يستطيع ذلك؟
30.ما ذم ولا مدح طعاماً قط:
يتغافل عما لا يشتهي ، الشيء الذي لا يشتهيه يتغافل عنه، ولا يخيب فيه مؤملة،
ما ذم طعاماً قط، وكم من إنسان يدعى إلى أفخر طعام, فيقول: هذا الطعام فيه مشكلة؟ ما ذم طعاماً قط، وهذا من أخلاقه العلية، ما ذم طعاماً قط ولا مدحه، ولم يذم مذاقاً ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا، ولا ما كان لها
الامتحانات التي مر بها النبي :
1.الفقر:
أيها الأخوة, أذاقه الله الفقر، دخل بيته، وسأل أهله:
أعندكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فإني صائم[ورد في الأثر]أحياناً الإنسن يتأخر الطعام يقيم الدنيا ويقعدها، ويغضب، ويزمجر، ويعلو صياحه في البيت إذا تأخر الطعام فقط،
2.النصر:
أذاقه الله النصر، فدخل مكة مطأطئ رأسه حتى كادت عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله،
ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال: أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم, اذهبوا فأنتم الطلقاء
3.القهر:
وذاق القهر في الطائف فدعا دعاءً يحتاجه المسلمون اليوم،
فقال صلى الله عليه وسلم:
اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني، أم إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم تكن ساخطا علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي[أخرجه الطبراني في الكبير عن عبد الله بن جعفر]
4.موت الولد:
أذاقه الله موت الولد,
فقال:
إن العين لتدمع، والقلب ليخشع، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون[أخرجه البخاري في الصحيح]
5.أُتهمت زوجته:
أذاقه الله أن تتهم زوجته بأثمن ما تملك، وتأخر الوحي أربعين يوماً، لو أن الوحي بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم لجاءت آية التبرئة بعد ساعة، لكن أراد الله أن يتأخر الوحي بتبرئة السيدة عائشة أربعين يوماً، إذاً: الوحي لا يملكه النبي لا رداً ولا استدعاء .
شيء آخر، لما جاءت آية تبرئة السيدة عائشة,
فقال أبو بكر لابنته: قومي فاشكري رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت: والله لا أقوم إلا لله، فتبسم النبي عليه الصلاة والسلام, وقال:
عرفت الفضل لأهله[ورد في الأثر]
6.الإنسان ممتحن بما أُعطي وبما زُوي عنه:
معظم المؤمنين هداهم الله إلى ما هو أفضل ما داموا في بحبوحة، وفي نعيم، وفي صحة جيدة، وفي دخل وفير شاكرون حامدون، فإذا امتحنهم الله بشيء تضعضعوا، وضعفت ثقتهم بالله عز وجل، والبطولة أن تنجح بالامتحان ,
سئل الإمام الشافعي رضي الله عنه:
أندعو الله بالتمكين أم بالابتلاء؟ فقال: لن تمكنوا قبل أن تبتلوا .وأنا أؤكد لكم أنه يستحيل أن تصل إلى الجنة من دون ابتلاء،
لقوله تعالى:
(وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ)[سورة المؤمنون الآية : 30](أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)[سورة العنكبوت الآية : 2]أيها الأخوة، نحن ممتحنون بمادتين بالذي أعطانا، وبالذي زوي عنا، ممتحن بالصحة ، وممتحن بالمرض، ممتحن بالغنى، وممتحن بالفقر، ممتحن بالقوة، وممتحن بالضعف، ممتحن بالوسامة، وممتحن بالدمامة، من هنا يأتي الدعاء:
اللهم وما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، اللهم وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب[أخرجه الترمذي عن عبد الله بن يزيد الخطمي في سننه]والحمد الله رب العالمين
منقول عن: فقه السيرة النبوية- الدرس 4 و 5 ( مبعث النبي صلى الله عليه وسلم,
23-30 /5/2005) لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .
0 التعليقات:
إرسال تعليق