بين الحنان والحنين


قـالــت : أيهُمـا أجمـل .. الحنــانُ أم الحنيـن ؟؟

قـلــتُ : رغـم التقـارب الشـديد فـي نطـق الكلمتيـن إلاّ أن الفـارق بينهُمـا كبيـر** جـداً .. إن المسـافة بينهمـا بعيـدة .. فالحنـان يدخـل فـي دائـرة الرحمـة والحـب والإحسـاس العميـق .. والحنيـن يدخـل فـي منطقـة الشـوق .. ورغـم المسـافة البعيـدة بينهمـا إلا أن الحنيـن هـو الوجـه الآخـر للحنـان لأننـا عـادة نشـتاق ونحـن لمشـاعرنـا الجميلـة .. وأجمـل مـا فـي مشـاعر الحـب الحنـان وأجمـل مـا يبقـى مـن الحـب الحنيـن .. فالبدايـة هـي الحنـان والـذي يبقـى منـه أحيانـا هـو الحنيـن ..

والحنـان إحسـاس جميـل وأجمـل مـا فيـه أنـه بعيـد عـن الأنانيـة خاصـة أنانيـة الحـب .. ومسـاحة الحنـان كبيـرة وعريضـة وشـاملة تبـدأ بحنـان الأم وتنتهـي بحنـان الحبيـبـة .. وقـد نجـد الحـب ولا نجـد الحنـان لأنـه منطقـة أكبـر بكثيـر مـن الحـب .. وفـي الحنـان نجـد الحـب ولكننـا أحيانـا لا نجـد الحنـان فـي الحـب فالحـب كائـن أنانـي والحنـان لا يعـرف الأنانيـة .. وإذا كـان الحنـان هـو أجمـل مـا فـي الحـب فـإن الحنيـن هـو أجمـل مـا فـي الأشـواق .. والحنـان راهـب فـي مملكـة الحـب والحنيـن راهـب فـي مملكـة الذكـرى .. وفـي بعـض الأحيـان تكـون الذكـرى أجمـل مـا بقـي مـن الحـب وفـي أحيـان أخـرى يكـون الحنـان آخـر مـا بقـي لنـا مـن الحـب ..

والحنـان يحتـاج إلـى تركيبـة إنسـانية خاصـة جـداً .. إنـه أقـرب المشـاعر إلـى دائـرة العطـاء .. وهنـاك بعـض النـاس يعطـون بـلا مقابـل .. وهنـاك مـن يعطـي بمقابـل وهنـاك مـن لا يعـرف لغـة العطـاء .. وقـد يكـون الإنسـان عاشـقاً كبيـراً ولا يعـرف للعطـاء طريقـا لأنـه عاشـق أنانـي يحـب نفسـه فـي عيـون الآخريـن .. وقـد يكـون العطـاء أجمـل وأعمـق مقاييـس الحـب .. وهـو الحـب الـذي لا يعـرف لغـة الحسـابات والأرقـام ومـاذا بقـي ومـاذا ضـاع ..

والحنيـن رافـد عميـق مـن روافـد الذكـرى وهـو أرقهـا إحسـاسـاً وأكثرهـا شـفافية .. وفـي الذكـرى روافـد كثيـرة منهـا الأشـواق ومنهـا التذكـار ومنهـا الحنيـن وهـو أعمـق مشـاعر الذكـرى .. إننـا عامـة نتذكـر الأشـياء ثـم نشـتاق إليهـا ثـم تعصـف بنـا ريـاح الحنيـن ورغـم أنهـا تشـبه النسـمة إلا أنهـا عاصـفة .. ورغـم أنهـا تزورنـا علـى اسـتحياء إلا أنهـا تقلـب موازيـن الأشـياء .. ورغـم أننـا لا نعـرف لهـا ميعـاداً إلا أنهـا قـادرة علـى اقتحـام أيامنـا فـي كـل الأحـوال والظـروف .. وقـد نتذكـر ولا نشـتاق وهـذه درجـة مـن درجـات الذكـرى .. وقـد نشـتاق ولا نحـن وهـذه درجـة أخـرى .. ولكـن الحنيـن يعنـي أن هنـاك إحسـاساً عميقـاً تسـلط علينـا وهـو أكبـر مـن التذكـار وأعمـق مـن الأشـواق .. وقـد نتذكـر أشـياء تسـعدنا وربمـا نتذكـر أشـياء تشـقينا .. وقـد نشـتاق لشـئ يؤلمنـا ولكننـا لا نحـن أبـداً إلا لشـئ أسـعدنا لأن الحنيـن يعنـي أننـا نتمنـى لـو عشـنا اللحظـة مـرة أخـرى .. ولا أعتقـد أن الإنسـان يمكـن أن يحـن لسـاعات الألـم .. قـد يتذكرهـا وقـد تخطـر علـى بالـه ولكنـه لا يحـن إليهـا .. ولهـذا فـإن الحنيـن عـادة يرتبـط بكـل مـا هـو جميـل فـي ذكرياتنـا ..

قـالــت : ومـاذا تحـب أنـت الحنيـن أم الحنـان ؟؟

قـلــت : عنـدي يقيـن أن الحنـان إمـرأة وأن المـرأة بـدون الحنـان تفقـد أشـياء كثيـرة لأن الحنـان هـو منبـع الأمـومة وأجمـل مـا فـي الأمومـة الرحمـة لأنهـا عطـاء بـلا حسـاب وبـلا مقابـل وكلمـا اقتربـت المـرأة مـن دائـرة الرحمـة اقتربـت مـن دائـرة الحنـان وكلمـا اقتربـت مـن دائـرة الحنـان عرفـت طريقهـا للعطـاء ..

أمـا الحنيـن فهـو أحيانـاً يرهقنـي خاصـة إذا كنـت تنـادي ولا يسـمعك أحـد وتحملـك ريـاح الحنيـن إلـى بـلاد بعيـدة ولـم تتـرك لـك غيـر الوحشـة ..

الحنيـن إحسـاس جميـل إذا كـان فيـه بعـض الأمـل ..

أمـا الحنيـن اليـائـس فـلا أمـل فيـه ..
 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

بحث هذه المدونة الإلكترونية

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Powered by Blogger