المكان الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم




المكان الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم




قال ابن كثير: ( الصحيح المشهور عند الجمهور أنه-صلى الله عليه وسلم– تُوفي يوم الاثنين ودُفن يوم الأربعاء). راجع: البداية والنهاية (5/237).



وروى يعقوب بن سفيان عن أبي جعفر أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم–تُوفي يوم الاثنين فلبث ذلك اليومَ وتلك الليْلة ويومَ الثلاثاء إلى آخر النهار."قال ابن كثير: وهو قول غريب".



وروى يعقوب أيضاً عن مكحول قال: مكث رسول الله-صلى الله عليه وسلم–ثلاث أيَّام لا يُدفن قال ابن كثير: "غريبٌ، والصحيح أنه مكث بقية يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء بكامله ودُفن ليلة الأربعاء".



وروى ابن سعد وابن ماجه، وأبو يعلى عن ابن عبَّاس-رضي الله عنهما–قال: لمَّا فُرغ من جهاز رسول الله-صلى الله عليه وسلم–يوم الثلاثاء وُضع على سريره في بيته وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه، فقال قائل: ندفنه مع أصحابه بالبقيع، وقال قائل: (ادفنوه في مسجده؛ فقال أبوبكر: (سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم–يقول: (ما قُبض نبيٌّ إلا دفن حيثُ قُبض)(1) فرُفع فراش رسول الله-صلى الله عليه وسلم–الذي تُوفي عليه فحفروا له تحته. (ابن سعد (1/223) وابن ماجه (1628) والبيهقي في الدلائل (7/260) ومسند أبي بكر (78).



وروى الإمام أحمد والترمذي بسند صحيح عن عبد العزيز بن جريج أن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم–لم يدروا أين يقبروا رسول الله-صلى الله عليه وسلم–حتى قال أبوبكر: سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم–يقول: (لم يقبر نبي قط إلا حيث يَموت فأخذوا فراشه وحفروا تحته).



وروى الترمذي وأبو يعلى عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: لما قُبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم – اختلفوا في دفنه فقال أبوبكر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: (ما قَبض الله نبياً إلا في الموضع الذي يحب أن يُدفن فيه)، ادفنوه في موضع فراشه). الترمذي رقم كتاب الجنائز عن رسول الله (3/338) رقم (1018)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (5649).



وقال الطبري: (فلما فُرغ من جهاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يوم الثلاثاء، وُضع في سريره في بيته، وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه. فقال قائل: ندفنه في مسجده، وقال قائل: بل ندفنه مع أصحابه، فقال أبوبكر: إني سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم – يقول: (ما قُبض نبي إلا دُفن حيثُ يقبض)؛ فرفع فراش رسول الله-صلى الله عليه وسلم–الذي تُوفي عليه، فحُفر له تحته، ثم دخل الناس على رسول الله-صلى الله عليه وسلم–يصلّون عليه أرسالاً؛ دخل الرجال حتى إذا فرغوا أُدخل النساء حتى إذا فرغ النساء أُدخل الصبيان، ولم يؤم الناسَ على رسول الله-صلى الله عليه وسلم–أحد). تاريخ الطبري (3/213), وأخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز (1628)، باب ما جاء في دفن النبي-صلى الله عليه وسلم-، وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه رقم (321).



ثم دُفن رسول الله-صلى الله عليه وسلم–من وسط الليل ليلة الأربعاء. تاريخ الطبري (3/213).



قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، عن امرأته فاطمة بنت عُمارة، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زُرارة، عن عائشة-رضي الله عنها-قالت:دفن رسول الله في جوف الليل من ليلة الأربعاء. ابن هشام (4/315) تحقيق عمر عبد السلام تدمري.



وروى ابن سعد والبيهقيُّ عن عائشة-رضي الله عنها–قالت: (ما علمنا بدفن رسول الله-صلى الله عليه وسلم–حتى سمعنا المساحي ليلة الثُلاثاء في السَّحر). ابن سعد (2/232-233).



وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن أنس-رضي الله عنه-قال: (تُوفي رسول الله-صلى الله عليه وسلم–وكان بالمدينة رَجُلُ يُلحِدُ والآخر يضرح فقالوا: نستخيرُ ربَّنا ونبعث إليهما فأيهما سبق تركناه، فأرسلوا إليهما فسبق صاحب اللّحد (أبو طلحة) فلَّحدوا لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-) أخرجه مالك في الموطأ مرسلاً (1/231) وابن ماجه- كتاب الجنائز- باب ما جاء في الشق (1/496) رقم (1557).



قال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: حدثني حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله-صلى الله عليه وسلم–كان أبو عبيدة يضرح لأهل مكة، وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة، فأرسل العباس خلفهما رجلين وقال: (اللهم خِر لرسولك أيهما جاء حفر له)، فجاء أبو طلحة فلحد لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-". راجع: السيرة النبوية للذهبي. ص405.



وقال ابن عيينه عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: عرضت عائشة على أبيها رؤيا– وكان من أعبر الناس-قالت رأيت ثلاثة أقمار وقعن في حجرتي، فقال: إن صدقت رؤياك دُفن في بيتك من خير أهل الأرض ثلاثة، فلما قبض النبي-صلى الله عليه وسلم–قال: يا عائشة هذا خير أقماركِ. السيرة النبوية للذهبي (405-406).







شبهة:



هل دُفن النبي-صلى الله عليه وسلم-في مسجده الشريف؟.



الجواب: أن هذا وإن كان هو المشاهد اليوم، فإنه لم يكن كذلك في عهد الصحابة-رضي الله عنهم-، فإنه لما مات-صلى الله عليه وسلم-، دفنوه في حجرة عائشة التي كانت بجانب مسجده، وكان يفصل بينهما جدار فيه باب، كان-صلى الله عليه وسلم– يخرج منه إلى المسجد، وهذا أمر معروف مقطوع به عند العلماء ولا خلاف في ذلك بينهم، والصحابة-رضي الله عنهم–حينما دفنوه-صلى الله عليه وسلم–في الحجرة، إنما فعلوا ذلك كي لا يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجداً، لقوله-عليه الصلاة والسلام–من حديث عائشة-رضي الله عنها– قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم–في مرضه الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). قالت: فلولا ذاك أُبرز قبره غير أنه خشي أن يُتخذ مسجداً) البخاري، الفتح،(3/156) رقم (1330) كتاب الجنائز، باب ما يكره من إتخاذ المساجد قبوراً.



ولكن وقع بعدهم ما يكن في حسبانهم! ذلك أن الوليد بن عبد الملك أمر سنة ثمان وثمانين بتوسيع المسجد النبوي وإضافة حجر أزواج رسول الله-صلى الله عليه وسلم–إليه، فأدخل فيه الحجرة النبوية حجرة عائشة، فصار القبر بذلك في المسجد. راجع: تاريخ ابن جرير (5/222-223). وتاريخ ابن كثير (9/74-75).



قال "العلامة الحافظ محمد بن عبد الهادي" في "الصارم المنكي" ص (136): "وإنما أُدخلت الحجرة في المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة، وكان من آخرهم موتاً جابر بن عبد الله، وتُوفي في خلافة عبد الملك، فإنه تُوفي سنة ثمان وسبعين، والوليد تولىَّ سنة ست وثمانين، وتُوفي سنة ست وتسعين، فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيما بين ذلك.



قال "الشيخ الألباني": وإنما لم يُسمِّ الحافظُ ابن عبد الهادي السنة التي وقع فيها ذلك؛ لأنها لم ترد في رواية ثابتة على طريقة المحدثين، وما نقلناه عن ابن جرير هو من رواية الواقدي وهو متهم، ورواية ابن أبي شيبة الآتية في كلام "الحافظ ابن عبد الهادي" مدارها على مجاهيل وهم عن مجهول! كما هو ظاهر، فلا حجة في شيء من ذلك، وإنما العمدة على اتفاق المؤرخين على أن إدخال الحجرة إلى المسجد كان في ولاية الوليد. قال "محمد بن عبد الهادي"، وقد ذكر أبو زيد عمر بن شُبَّة النميري في كتاب (أخبار المدينة) مدينة رسول الله-صلى الله عليه وسلم–عن أشياخه عمن حدثوا عنه أن عمر بن عبد العزيز لما كان نائباً للوليد على المدينة في سنة إحدى وتسعين هدم المسجد وبناه بالحجارة المنقوشة وعمل سقفه بالساج، وماء الذهب، وهدم حجرات أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم– فأدخلها في المسجد أو دخل القبر فيه.



يتبين لنا مما أوردناه أن القبر الشريف إنما أُدخل المسجد النبوي حين لم يكن في المدينة أحد من الصحابة، وأن ذلك كان على خلاف غرضهم الذي رموا إليه حين دفنوه في حجرته-صلى الله عليه وسلم-، فلا يجوز لمسلم بعد أن عرف هذه الحقيقة أن يحتج بما وقع بعد الصحابة؛ لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة وما فهم الصحابة والأئمة منها كما سبق بيانه، وهو مخالف أيضاً لصنيع عمر, وعثمان حين وسعا المسجد ولم يدخلا القبر فيه، ولهذا نقطع بخطأ ما فعله الوليد بن عبد الملك عفا الله عنه، ولئن كان مضطراً إلى توسيع المسجد، فإنه كان باستطاعته أن يوسعه من الجهات الأخرى دون أن يتعرض للحجرة الشريفة، وقد أشار عمر بن الخطاب إلى هذا النوع من الخطأ حين قام هو-رضي الله عنه–بتوسيع المسجد من الجهات الأخرى، ولم يتعرض للحجرة، بل قال: (إنه لا سبيل عليها). انظر طبقات ابن سعد (4/21) وغيره، فأشار-رضي الله عنه–إلى المحذور الذي يترتب من جراء هدمها وضمها إلى المسجد.



ومع هذه المخالفة الصريحة للأحاديث المتقدمة وسنة الخلفاء الراشدين، فإن المخالفين لما أدخلوا القبر النبوي في المسجد الشريف احتاطوا للأمر شيئاً ما، فحاولوا تقليل المخالفة ما أمكنهم. قال النووي في (شرح مسلم) (5/14): (ولما احتاجت الصحابة.(2) والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله-صلى الله عليه وسلم–حين كثر المسلمون، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة-رضي الله عنها–مدفن رسول الله-صلى الله عليه وسلم –وصاحبيه أبي بكر وعمر-رضي الله عنهما–بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله، لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام، ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا، حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر).



ونقل "الحافظ ابن رجب" في (الفتح) نحوه عن القرطبي كما في (الكواكب) (65/91/1) وذكر "ابن تيمية" في (الجواب الباهر) (9/2): (أن الحجرة لما أدخلت إلى المسجد سُد بابها، وبني عليها حائط آخر، صيانة له-صلى الله عليه وسلم–أن يتخذ بيته عيداً، وقبره وثناً).



نقلاً من كتاب: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد (58-68) تأليف/ محمد ناصر الدين الألباني/ الطبعة الرابعة/ المكتب الإسلامي.



وقد وردت الأدلة الصحيحة على تحريم اتخاذ القبور مساجد:



ففي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله أن النبي-صلى الله عليه وسلم–قال قبل أن يموت بخمس: (إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك). صحيح مسلم-كتاب الصلاة-باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد (1/377) رقم (532).



وفي الصحيحين عن عائشة أن النبي-صلى الله عليه وسلم–قال قبل موته: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذِّر ما فعلوا، قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجداً". البخاري، الفتح،(3/156) رقم (1330). كتاب الجنائز، باب ما يكره من إتخاذ المساجد قبوراً.



قال "ابن تيمية": واتخاذ القبور مسجداً هو أن يتخذ للصلوات الخمس، وغيرها كما تبنى المساجد لذلك، والمكان مسجداً إنما يقصد فيه عبادة الله ودعاؤه لا دعاء المخلوقين".



فحرم-صلى الله عليه وسلم–أن تتخذ قبورهم مساجد بقصد الصلوات فيها؛ كما تقصد المساجد وإن كان القاصد لذلك إنما يقصد عبادة الله وحده؛ لأن ذلك ذريعة إلا أن يقصدوا المسجد لأجل صاحب القبر ودعائه والدعاء به، والدعاء عنده، فنهى رسول الله-صلى الله عليه وسلم–عن اتخاذ هذا المكان لعبادة الله وحده لئلا يتخذ ذريعة إلى الشرك بالله.



راجع: مجموع الفتاوى (1/163-164).



ولم يكن في المدينة المنورة أحد من الصحابة حينذاك خلافاً لمن توهم ذلك.



وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



0 التعليقات:

إرسال تعليق

بحث هذه المدونة الإلكترونية

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Powered by Blogger