جوهر الدين



بسم الله الرحمن الرحيم



الدين منهج، يُقدم لك تفسيراً عميقاً دقيقاً صحيحاً واسعاً للكون، والحياة، والإنسان



أيها الأخوة الكرام، الحقيقة الإنسان له عقل، وله فطرة، وله أعداء، جانب علمي، جانب نفسي، جانب مادي،

العقل متى يخضع؟ هل تقبلون أن أقول لكم: واحد زائد واحد يساوي خمسة؟ لا أحد منكم جميعاً يقبله، أما واحد زائد واحد يساوي اثنين، فكلكم تخضعون لهذه المقولة،

معنى الدين أي الذي يُخضع له، يخضع له العقل ، وتخضع له النفس ، ويخضع له الجسم ، منهجه من عند الخالق، من عند الخبير، من عند العليم،هذا المنهج، تصوراته، أفكاره، تُقدم لك تفسيراً عميقاً دقيقاً صحيحاً واسعاً للكون، والحياة، والإنسان،

الإنسان شاء أم أبى كائن مفكر، معنى كائن مفكر، هو بحاجة إلى تطور ما من أي موضوع، شئت أم أبيت، حتى الأمي عنده عقيدة، أقوال العوام تنطلق من تصوراتهم، فلا يوجد إنسان على وجه الأرض إلا له حيال أي موضوع تصور، فالبطولة أن يأتي هذا التصور صحيحاً، واقعياً، علمياً ، وسطياً.

فالدين منهج تفصيلي لكل حركاتك وسكناتك، في سرك وعلانيتك، في صحتك ومرضك، في غناك وفقرك، في قوتك وضعفك، قبل الزواج وبعد الزواج، مع الغنى ومع الفقر، منهج يدور مع الإنسان حيثما دار، فلذلك طلب العلم فريضة ، قد يغيب عن بعض الأخوة الكرام معنى فريضة، شرب الماء فريضة، ما معنى ذلك؟ لو لم تشرب لمت عطشاً، بالماء ليس لك خيار، لك خيار أن تشربه بكأس مباشرة، لك خيارات عديدة في طريقة الشرب، وفي وعاء الشرب، أما خيارك مع الشرب فثابت، فحينما تعتقد أن الدين كالهواء، وأن الدين كالماء لك، وأن الدين كالطعام لك، لا بد من أن تبحث عن مصادره الصحيحة، وعن منهجه القويم، وعن الطريقة السليمة التي جاء بها.









الدين علاقة مع الله :



من المعاني الدقيقة للدين أنها علاقة بين طرفين، أي الدين علاقة مع الله، لك علاقة مع زوجتك، مع أولادك، مع أخواتك، مع أخواتك، مع أصحابك، مع زبائنك، مع أقاربك، مع جيرانك،

الدين علاقة مع الله، بالتعبير الجامع المانع، هي علاقة بين طرفين خالق الأكوان وأنت أيها العبد البار،

وقَبِل الله -وهذا شرف لنا- أن تكون لنا علاقة به، قَبِل الله أن نناجيه في الصلاة، قَبِل الله أن نقترب منه، قَبِل الله أن نقدم عملاً في سبيله، قبل الله أن نحبه، قبل الله أن يحبنا، كلمة دين تعني علاقتك بالله.

إذاً علاقة بين طرفين؛ الطرف الأول هو خالق السموات والأرض، والطرف الثاني هو أنت.







الدين يهتم بجميع مناحي الحياة :



أخوتنا الكرام، أريد أن أنزع من أذهان الأخوة الكرام أن الدين صلاة فقط، صوم، حج، وزكاة، الدين في كل شؤونك، في مالك، في شؤون إنفاق مالك، في شؤون زواجك، في شؤون إنجابك للأولاد، في تربية الأولاد، في علاقتك بمن حولك من المؤمنين، من غير المؤمنين، علاقتك بأقاربك، لو أردت أن تعدد البنود التي لا تنتهي ومتعلقة بالدين وجدتها بالآلاف، إنه منهج تفصيلي.







الدين حاجة :



فحينما تقتني آلةً غالية الثمن، بالغة النفع، معقدة التركيب، بفطرتك، بحسك الأولي، دون أن تشعر تعتني بنشرة هذه الآلة، لأنها من عند الصانع، والصانع هو الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها، لأنها الجهة الخبيرة،

قال تعالى في القرآن الكريم:



(وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)

[سورة فاطر: 14]

فأنت – وأقول هذه الكلمة وقد تبدو غريبة- انطلاقاً من أنانيتك، من حبك لذاتك، من حبك لسلامتك، من حبك لكمال وجودك، من حبك لاستمرار وجودك، ينبغي أن تتبع الدين، لأن الدين تعليمات الصانع، والصانع هو الخبير:



(وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)

مبدئياً قبل أن تحب الله، انطلاقاً من حبك لنفسك، انطلاقاً من حبك لذاتك، ينبغي أن تكون متديناً في عصر الدين تهمة، في عصر كان الدين وسام شرف، هذه التبدلات في موقف المجتمع من الدين لا تقدم ولا تؤخر، التبدلات الصارخة والحادة والمتناقضة في موقف المجتمع من الدين ينبغي ألا تؤثر في سعيك الحثيث للتمسك بالدين والحقيقة.

قال ابن عمر:



دينك، دينك، إنه لحمك ودمك.







البعد عن الدين سبب كل مشكلة في هذه الحياة



ما من مشكلة على وجه الأرض في القارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة، إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، أزمة أهل النار في النار ما هي؟

قال الله تعالى في القرآن الكريم:



(لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير)

[سورة الملك: 10]

لماذا؟ لأن أي إنسان على وجه الأرض حريص حرصاً لا حدود له على حب وجوده، وعلى حبّ سلامة وجوده، وعلى حبّ كمال وجوده، وعلى حبّ استمرار وجوده، هناك على وجه الأرض الآن سبعة مليارات، سبعة مليار إنسان ما منهم واحد إلا وهو حريص على سلامة وجوده، من منا يحب المرض؟ من منا يحب الفقر؟ من منا يحب القهر؟ أن تكون في السجن، من منا يحب مشكلة تحيط به؟ نحن جميعاً من دون استثناء حريصون حرصاً لا حدود له على سلامة وجودنا، وعلى كمال وجودنا، تتمنى أن يكون لك زوجة، وأولاد، وبيت، ومركبة، وعلى حبّ كمال وجودنا، وعلى حبّ استمرار وجودنا، لا يوجد واحد من الحاضرين وأنا معكم إلا ويتمنى العمر المديد في الصحة التامة، أليس كذلك؟ تحب وجودك، سلامة وجودك، كمال وجودك، استمرار وجودك، و تتحقق جميعاً بطاعتك لله؟

قال الله تعالى في القرآن الكريم:



(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)

[سورة الأحزاب: 71]

أنك إذا أطعت الله ورسوله حققت الهدف من وجودك، الله خلقك لجنة عرضها السموات والأرض.

قال الله تعالى في القرآن الكريم:



(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)

[سورة المؤمنون]







الدين عبادة



أيها الأخوة الكرام،

قال الله تعالى:



(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)

[سورة البينة: 5]

أنت مأمور من قبل خالق الأكوان أن تعبد الله مخلصاً، العبادة هي الطاعة، عندنا عبادات شعائرية؛ كالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، وعندنا عبادات تعاملية؛ كالصدق والأمانة، المشكلة الأولى الآن أن بعض الناس يتوهمون أن العبادة هي الشعائرية فقط؛ يصلي، يصوم، يحج، يزكي، وانتهى الأمر، أما كسب ماله فيه شبهات، إنفاق ماله فيه شبهات، سهراته حفلاته فيها شبهات، فأنت ما لم تفهم الدين منهجاً كاملاً، منهجاً شاملاً، منهجاً تفصيلياً، فالفهم للدين غير صحيح.

أيها الأخوة الكرام، الحقيقة من تعريفات الدين أنه مجموعة واجبات لهذا المخلوق نحو الخالق، واجبات الإنسان نحو الله، واجبات الإنسان نحو الجماعة، واجباته نحو أهله، واجباته نحو نفسه،

قال الله تعالى في القرآن الكريم:



(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)

[سورة الذاريات: 56]

ما العبادة؟ طاعة لله، طاعةٌ طوعية ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادةٍ أبدية،

أنا أتمنى ألا يكون الدين عادة من عاداتك







اجتماع رسالات الأنبياء في التوحيد :



الآن هل يمكن أن تلخص رسالات السماء كلها في آية واحدة؟

قال الله تعالى في القرآن الكريم:



(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)

[سورة الأنبياء: 25]

لذلك قال تعالى:



(شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)

[سورة الشورى: 13]

رسالات الأنبياء جميعاً مجتمعة هي التوحيد؛ لا إله إلا الله، لا معطي إلا الله، لا مانع إلا الله، لا رازق إلا الله، لا رافع إلا الله، لا خافض إلا الله، لا شافي إلا الله، أنت حينما ترى أن كل شأنك متعلق بالله تدع الخلق وتتجه إلى الخالق، الناس يتجهون إلى بعضهم بعضاً، لكنك إذا عرفت الله تدع الخلق وتتجه إلى الحق.







الدين خضوع لله عز وجل :



قال الله عز وجل:



(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)

[سورة آل عمران: 19]

الآية لها معان كثيرة لكن من أدق معانيها أن حقيقة الدين الخضوع إلى الله، الإستسلام له ,

هل أنت خاضع للعادات والتقاليد؟ هل أنت خاضع لمبادئك أم لمصالحك؟ هل أنت خاضع لمنهج السماء أم لقوانين الأرض؟ الدين خضوع،







الكليات حاجة كما الجزئيات



أيها الأخوة الكرام، أحياناً الإنسان بحاجة إلى تفاصيل، عنده حاجة ماسة للتفاصيل، ومن حين إلى آخر بحاجة إلى الكليات، إنسان يعيش في جهة عشر سنوات، الكليات بعيدة عنه، غارق بالجزئيات، وهناك مرض خطير اسمه الغرق في الجزئيات، فأنت من حين لآخر بحاجة إلى كليات ما هي حقيقة الدين؟

أيها الأخوة الكرام، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لفهم الدين على حقيقته، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لفهم ما يجري في ضوء تعاليم الدين.



والحمد الله رب العالمين

منقول عن : خطبة الجمعة – الخطبة 1187- الدين – لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي –

0 التعليقات:

إرسال تعليق

بحث هذه المدونة الإلكترونية

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Powered by Blogger