سيرة النبي البيئة التي عاشها النبي قبل نزول الوحي عليه

سيرة النبي

البيئة التي عاشها النبي قبل نزول الوحي عليه
 
بسم الله الرحمن الرحيم







ما هي الحكمة الربانية في اختيار مكة المكرمة بلداً للرسول ؟

أيها الأخوة الكرام، مع فقه السيرة النبوية، البيئة التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي عليه، وهذا يسمى في الدراسات التاريخية البعد التاريخي، وقد اعتمد كُتّاب السيرة على القرآن الكريم، وما صح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدراً أولاً وثانياً لوقائع السيرة.

مكة المكرمة أرض ليس فيها زرع,

قال تعالى:



(رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ)[سورة إبراهيم الآية : 37]يبدو من هذه الآية الكريمة، أن هناك متع حسية، وهناك سعادة نفسية، لو أن المتع الحسية متوافرة تماماً، ورافقتها سعادة نفسية لاختلط الأمر، لكن هذا اسمه فرز، تذهب إلى بيت الله الحرام في وادٍ غير ذي زرع، والجو حار، ومع ذلك تسعد في جوار هذا البيت أيما سعادة، كأن الله سبحانه وتعالى جمد العامل الجمالي الأرضي، وحرك العامل النفسي السماوي .

إذاً: قد تأتي الدنيا كما تريد، فتبتعد عن الغرض الذي خلقت من أجله، هذه حقيقة، الدنيا أحياناً تكون حجاباً بين العبد وبين ربه، ولا أغفلكم أيها الأخوة أن بلاداً كثيرة تعاني من رخاء ما بعده رخاء، ومن جمال ما بعده جمال، ومن متع حسية ما بعدها متع، هذه الدنيا العريضة، وهذا الجمال الأخاذ، وهذا التفلت صار حجاباً بين الناس وبين خالقهم، وقد تجد في بلاد أخرى شدة وضيقاً وفقراً، وتجد إقبال الناس على الدين منقطع النظير .

هناك علاقة بين المتع الحسية وتوافرها، وبين النشاط الروحي وحدته، حينما قال الله عز وجل:

﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾

إذاً: ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، وقد يكون المنع عين العطاء,

قال تعالى:



(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[سورة البقرة الآية : 216]هذه الدنيا أيها الأخوة ليست بشيء أمام الآخرة,

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:



ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما أخذ المخيط غرس في البحر من مائه[ورد في الأثر]إذا كنت في بلد لست كما تتمنى، وكنت قريباً من الله عز وجل فأنت الرابح الأكبر، وإذا كنت في بلد وكأنه جنة الأرض، وهذه الجنة في الأرض حجبتك عن الله عز وجل، وأنستك الآخرة فأنت الخاسر فحيث ما أراد الله أن تكون تقبل قضاء الله وقدره، عندئذٍ تكشف حقيقة الحكمة الإلهية، لأن كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع .







النِعَم التي اسدلها الله على قريش :

أيها الأخوة, الله عز وجل امتن على قريش حيث يقول في كتابه الكريم:



(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)[سورة قريش الآية : 1-4]قال علماء التفسير: إن أعظم نعمة يمتن الله بها على عباده نعمة الشبع والأمن,

قال تعالى:



(أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَءَامَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)وقال أيضاً جل جلاله:



(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل الآية : 112]قال الرسول صلى الله عليه وسلم:



من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا[أخرجه البخاري عن عبد الله بن محصن]آمنا في سربه أي أمن الإيمان، أنت حينما تؤمن تشعر أنك تحت رحمة الله، وتحت رضوان الله، وتحت حفظ الله، وتحت تأييد الله، وتحت توفيق الله، وتحت نصر الله، وإذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك، وهذه معية خاصة، قال عنها العلماء: إنها معية التأييد ، والنصر، والتوفيق، والحفظ,

قال الله تعالى:



(وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)[سورة الأنفال الآية : 19](أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[سورة البقرة الآية : 194](وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[سورة آل عمران الآية : 139]





المزايا التي كانت تتصف فيها بيئة النبي :

أيها الأخوة، في البيئة التي عاش بها النبي كان فيها بعض المكارم الأخلاق، قيمة الشجاعة، وقيمة المروءة، وقيمة الكرم، لذلك

قال عليه الصلاة والسلام:



بعثت لأتمم مكارم الأخلاق[أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة]خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام[أخرجه البخاري عن أبي هريرة]وقد خاطب النبي الصحابة فقال:



أسلمت على ما أسلفت من خير[أخرجهما البخاري ومسلم في الصحيح]معنى ذلك أن القيم التي كانت قبل بعثة النبي كقيمة الشجاعة والكرم والمروءة،

وكان عنترة يقول :

وأغض طرفي أن بدت لي جارتي***حتى يواري جارتي مأواها

أليست هذه مروءة؟ لذلك قال عليه الصلاة والسلام:



بعثت لأتمم مكارم الأخلاقمن هنا نستنبط أن الإنسان الصالح في أخلاقه قبل أن يؤمن، وقبل أن يهتدي إلى الله عز وجل، لأنه صالح يتولاه الله عز وجل،

قال تعالى:



(وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)[سورة الأعراف الآية : 196]فإذا كنا حليماً كريماً، ذا مروءة، تقري الضيف، تعين على نوائب الدهر، فالله عز وجل يتولاك،

ومن أدق ما قالت السيدة خديجة لزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما جاءه الوحي أول مرة : ما يخزيك الله أبداً, كيف عرفت ذلك؟ لم يكن وحي قبله، ولم يكن إسلام قبل هذا الإسلام، والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتكرم الضيف، وتحمل الكَلّ، وتعين على نوائب الدهر, هذه الفطرة

وأنا أقول لكم أيها الأخوة، وهذا استنباط، ولاسيما أني أوجهه إلى الشباب: إن كنت شاباً مؤمناً، مستقيماً، عفيفاً، صادقاً، أميناً، ثق بتوفيق الله لك، لأن الله عز وجل يقول:



(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)[سورة الجاثية الآية : 21]إذاً: مكارم الأخلاق التي كانت في الجاهلية اعتمدها الإسلام وأقرها .







العقيده التي كانت سائدة في قريش:

أيها الأخوة, أن بيئة قريش فيها عقائد وتشريعات ما أنزل الله بها من سلطان،



1.العبادة كانت للأصنام لتقربهم من الله زُلفى:

أيها الأخوة, ماذا كانت تعبد قريش قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام؟

قال تعالى:



(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)[سورة يونس الآية : 18]إحدى القبائل صنعت من تمر صنماً وعبدته، فلما جاعت أكلته، فقيل: أكلت ودٌ ربها، أين عقلهم؟ قبيلة أخرى جاء أحد أفرادها إلى الصنم ليعبده فرأى أن ثعلباً قد بال على رأسه، فقال:

أرب يبول الثعلبان برأسه***لقد ضلت من بالت عليه الثعالب

العرب كانت تعبد أصناماً من دون الله، وتزعم أنها تقربهم من الله عز وجل زلفى , عطلوا عقولهم فخسروا آخرتهم .

أيها الأخوة، من أغرب ما قرأت قبل شهرين أو ثلاثة في صحفية فيها مقالة يزعم كاتبها أن آلهة قريش كانت آلهة ديمقراطية، لأن كل إله قبل بالطرف الآخر، أما إله محمد صلى الله عليه وسلم فكان إلهاً ديكتاتورياً أو قمعياً، لأنه رفض أن يكون معه إله آخر، أليست هذه جاهلية ثانية؟ حينما قال الله عز وجل:



(وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[سورة الأحزاب الآية : 33]ما معنى ذلك؟ أن هناك جاهلية ثانية .



2.يحرموا ويحللوا بحسب أهوائهم مُدعين أن ذلك من الله:

قال الله عز وجل:



(وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ)[سورة النحل الآية : 116]لذلك المعاصي والآثام رُتبت في القرآن ترتيباً تصاعدياً، فذكر الله الفحشاء والمنكر، والإثم والعدوان، والشرك والكفر، وجعل على رأس هذه المعاصي أكبر معصية على الإطلاق,

قال تعالى:



(وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[سورة البقرة الآية : 169]هذا الذي يحرم من دون علم، ويحلل من دون علم، ويفتري على الله الكذب, الحلال والحرام من شأن الله وحده،



3.يشركون بالله ويلحدون في أسمائه، والملائكة بنات الله، والجن شركاء الله، ويجحدون القضاء والقدر

ثم إنهم من حيث العقيدة كانوا يشركون بالله جل جلاله فلا يوحدونه، وكانوا يلحدون في أسمائه وصفاته، وكانوا يسمون الملائكة تسمية الأنثى، ويدعون أنهم بنات الله، ويدعون أن الجن شركاء الله، ويجحدون القضاء والقدر،

وقد قال الله على ألسنتهم:



(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ)[سورة الأنعام الآية : 148]

4.أنكروا القيامة، والبعث, والنشور، والدار الآخرة، والحساب، والجنة والنار:

أنكروا القيامة، والبعث, والنشور، والدار الآخرة، والحساب، والجنة والنار، رغم إقرارهم بألوهية الإله، ولا يتقيدون بشيء مما كان في الديانات السابقة, فقريش أصرت على هذه الضلالات,

قال تعالى:



(وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ)[سورة النحل الآية : 38]

5.إن صحت عقيدة الإنسان صح عمله:

أيها الأخوة، لا بد من توضيح هذه الحقيقة، الإنكار القولي يعالج، أما الإنكار العملي فلا يعالج, البدع القلبية لا تصحح، عندنا ميزان، هناك خطأ في الميزان، أو هناك خطأ في الوزن، الخطأ في الميزان لا يصحح، لكن الخطأ في الوزن لا يتكرر، فأفضل ألف مرة أن تخطئ في الوزن من أن تخطئ بالميزان .

لذلك العقيدة هي الأصل، إن صحت عقيدة الإنسان صح عمله، وإن فسدت عقيدته فسد عمله، أكاد أقول: إن أخطر شيء في الدين العقيدة، إن صحت صح العمل، وإن كان هناك خطأ ففي الوزن لا في الميزان، الخطأ في العقيدة خطأ في الميزان، والخطأ السلوكي خطأ في الوزن، والخطأ في العقيدة لا يصحح، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر، فلذلك لو لم يكن للعقيدة أثر في السلوك, أقول لك: اعتقد ما شئت، أما لأنه ما من عقيدة إلا وتنعكس انحرافاً في السلوك فإنه يجب أن تصحح عقيدتك، يجب أن تصحح تصوراتك .

أيها الأخوة، لو أن واحداً من المسلمين توهم أن شفاعة النبي لأهل الكبائر من أمته هكذا على ظاهر الحديث من دون دقة في الفهم والشرح، ما الذي يدعوه إلى أن يستقيم؟ لا شيء، لأنه اعتقد خطأ أن النبي صلى الله عليه وسلم سيشفع له, من الخطأ الفادح، وأنت لست من أهل العلم أن تأخذ حديثاً، وأن تكتفي بفهمك له، وأن تستنبط منه ما طاب لك، ثم تبني عملك على هذا الفهم ، خطأ كبير، بل كبير جداً، الشفاعة موضوع عميق، موضوع يحتاج إلى تأصيل، في مجموعة أحاديث الفقيه يضع كل النصوص، والآيات، والأحاديث، وفعل النبي، وإقرار النبي، وفعل الصحابة، يجمع هذا كله، وأسباب النزول، وأسباب ورود الحديث على طاولة واحدة، ويستنبط حكماً شرعياً، أما أن يأتي إنسان في آخر الزمان، ويأخذ حديثاً، ويفهمه على مزاجه، ويبني عليه حكماً, هذا ما أنزل الله به من سلطان، لا يمكن أن ينال شفاعة النبي إلا من كان موحداً ومخلصاً ، إذا كنت موحداً مخلصاً أنت بينك وبين النجاة شعرة واحدة .

إليكم هذا المثال: طالب أدى امتحانا في عشر مواد، أخذ في تسع مواد علامة النجاح ، ونقصه في إحدى المواد علامة واحدة، يشفع له النبي، أما في العشر مواد أصفار، ويعتمد على شفاعة النبي أنت إذا اعتقدت بذلك فقد ألغيت العمل .

لو أن طالبا قال لآخر: لا تدرس، الأستاذ قلبه طيب، يشفق علينا يوم الامتحان، نبكي أمامه فيعطينا الجواب، لا تدرس، هكذا يفهم بعض المسلمين الشفاعة,

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:



يا فاطمة بنت محمد، يا عباس عم رسول الله أنقذا نفسيكما من النار، أنا لا أغني عنكما من الله شيئا، لا يأتيني الناس بأعمالهم، وتأتوني بأنسابكم، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه[أخرجه البخاري في الصحيح]هذا كلام النبي، أما كلام الله عز وجل:



(أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ)[سورة الزمر الآية : 19]مرةً ثانية، لو لم يكن من علاقة بين أن تعتقد, وبين أن تتحرك أي شيء, لقلت لك: اعتقد ما شئت، لكن لأنه ما من اعتقاد إلا وسوف ينعكس سلوكاً خاطئاً أو صواباً لا بد من تدقيق فيما تعتقد، فأنت بحاجة إلى جرد لمعتقداتك، إلى مسح لتصوراتك.



6.يجب أن تعتقد أنه ما من مصيبة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن منهج الله

قصة1: سائق مركبة أشارت إليه امرأة أن يقف فوقف، ركبت المركبة، سألها: إلى أين؟ قالت له: خذني إلى أي مكان تشاء، فرآها غنيمة ما بعدها غنيمة، فلما قضى حاجته منها، أعطته ظرفين،ثم غادرت، فتح الأول فيه مبلغ كبير من الدولارات، والظرف الثاني فيه رسالة كتبت إليه الكلمات التالية: مرحباً بك في نادي الإيدز، ذهب ليصرف الدولارات، فإذا هي مزورة، فأودع في السجن، وأصيب بمرض الإيدز، لو أنه يحضر درس علم بمجرد أن تقول له: خذني إلى أي مكان تشاء، لأوقف المركبة وأنزلها، وقال: إني أخاف الله رب العالمين .

قصة2: مرة تقدم مني رجل مسن ( كهل )، وصار يبكي، قلت له: خير إن شاء الله؟ قال: زوجتي تخونني، قلت: مع من؟ قال: مع جاري، قلت: كيف هي عرفت جارك أو كيف عرفها جارك؟ قال لي: مرةً زارني الجار، فقلت: لئلا تبقى وحدها مستوحشة تعالي أم فلان مثل أخوكِ، بدأت هذه العلاقة، قلت له: لو أنت حضرت مجلس علم لا تفعل هذا .

أخواننا الكرام، أرجو أن تدققوا في هذه القاعدة، ما من مصيبة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن منهج الله، وأهم سبب للخروج عن منهج الله الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، فأنت حينما تحضر درس علم تضمن سلامتك, وسعادتك في الدنيا والآخرة، لأنك تتعلم في هذا الدرس تعليمات الصانع، وما من جهة أجدر من أن تطاع كالصانع، لأنه الخبير,

قال تعالى:



(وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)[سورة فاطر الآية : 14]





الأعراف والعادات التي كانت تعيشها قريش قبل بعثة النبي:

أيها الأخوة، أخلاق قريش قبل بعثة النبي وأعرافهم وعاداتهم كثيرة، فكانوا يشربون الخمر بلا قيد ولا شرط، ويلعبون الميسر، ويتزوجون بغير عدد، باب الزواج مفتوح، ويقتل بعضهم الأولاد بسبب الفقر،



1.يئدوون البنات خوف العار:

قال تعالى :



(وَإِذَا الْمَؤودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)[سورة التكوير الآية : 8-9]هذه التي وئدت في الجاهلية إلى الجنة، لأنها وئدت قبل التكليف، أما التي أطلقناها فلا تعتني لا بأخلاقها، ولا بإيمانها، ولا بحجابها، ولا بعلمها، ولا بثقافتها، أطلقناها تفعل وتؤذي المجتمع كما تريد وتؤذي نفسها من حيث تعلم أو لا تعلم، هذا عمل يحاسب عليه الأب ويكون بذلك قد وئدها ربما وئداً أشد من وئد الجاهلية؟



2.يقتل بعضهم أولاده بسبب الفقر:

قال تعالى:



(وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ)[سورة الأنعام الآية : 151]أي من فقر واقع،

قال تعالى:



(وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ)[سورة الإسراء الآية : 31]أي من فقر متوقع،

فقد مُنع الإنسان من أن يقتل أولاده لفقر واقع، أو لفقر متوقع، لو انتقلنا إلى الآن أنت حينما ترضى لابنك بعمل دخله كبير، ولكن تضيع فيه أخلاقه، أليس هذا نوع من القتل؟



3.يثيرون الحروب لاتفه الأسباب:

وكانوا يثيرون الحروب لاتفه الأسباب، يمد أحدهم رجله، ويقول: من كان أشرف مني فليضربها، يضربها رجل آخر، وتنشب حروب تستمر عشرات السنين، تدمر كل شيء، هذه أيضاً من الجاهلية،



4.يكرهون إنجاب البنات:

وقد قال الله عز وجل:



(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ)[سورة الزخرف الآية : 17]أما النبي عليه الصلاة والسلام حينما جاءته فاطمة ضمها وشمها, وقال:



ريحانة أضمها وعلى الله رزقها[ورد في الأثر]أعرف صديق عنده سبع بنات، وكلما حملت زوجته، وأشرفت على الوضع هيأ هدية كبيرة، لعلها تأتي بالأنثى، فتكون هذه الهدية تطميناً لها أنها في أعلى مقام عنده، هذا المؤمن,

قال تعالى:



(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)[سورة النحل الآية : 58-59]ماذا قال عليه الصلاة والسلام:



أكرموا النساء، فوالله ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم، يغلبن كل كريم ويغلبوهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً، من أن أكون لئيماً غالباً[ورد في الأثر]قال عليه الصلاة والسلام عن النساء:



فإنهن المؤنسات الغاليات[رواه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن عقبة بن عامر]والنبي عليه الصلاة والسلام جعل الخيرية الكبرى، وأنت في البيت، قال:



خَيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي[أخرجه الترمذي عن عائشة في سننه]يعني أن الإنسان خارج البيت، نوع من الذكاء يتجمل، يتلطف، يبتسم، يعتذر, يحسن هندامه، أما في البيت فلا رقابة عليه، فبطولتك وأنت في البيت،

فيجب أن يكون بينك وبين الخمر هامش أمان كبير، فالاجتناب هو من أشد أنوع التحريم .



5.الأنكحة التي كانت منتشرة في جاهلية العرب :

وقد سادت في البيئة التي عاش بها النبي صلى الله عليه وسلم أنوع من الأنكحة التي لا تختلف عن الدعارة إطلاقاً، من هذه الأنكحة أنكحة الاستبضاع، أن يقول الرجل لزوجته: اذهبي إلى فلان فاستبضعي منه, أي احمل منه, فلان قد يكون جميل الصورة، أو قويا، أو ذكيا، هذا كان نكاح الاستبضاع .

أما نكاح الرهط، يعني عشرة رجال يتزوجون امرأة واحدة، وقد حدثتكم فيما أذكر أنه من أحدث الأبحاث العلمية أن الإنسان له هوية، قزحية عينه هوية، ورائحة جلده هوية، ليس هناك على وجه الأرض واحد من ستة آلاف مليون يشبهك في قزحية العين، ولا في نبرة الصوت، ولا في رائحة الجلد، ولا في بصمة الإصبع، ومن مدة قريبة أضيفت إلى مجموع هذه الهويات هوية جديدة نطفته هوية، لكل نطفة تركيب خاص لا تشبه أية نطفة أخرى، وقد اكتشف أن عند المرأة جهازاً حاسوباً تبرمج فيه هذه النطفة، وما دامت هذه النطفة تأتي بشكل أو بآخر لا تتغير فالوضع سليم جداً، أما إذا دخلت نطفة على نطفة فهناك احتمال بأن تصاب المرأة بسرطان الرحم .

أما أن تأتي نطفة جديدة دون أن تصاب المرأة بشيء فهذا يعني أن تنقطع النطفة الأولى ثلاثة أشهر، حتى تمحى برمجتها من حاسوب المرأة، وعندئذٍ يمكن أن تستقبل المرأة نطفة جديدة، وهذه هي العدة التي شُرعت في القرآن الكريم .

أما إذا كان هناك شدة نفسية فتحتاج إلى أكثر من أربعة أشهر، هذه عدة المتوفى عنها زوجها، هذا كلام سمعته في مؤتمر إسلامي في القاهرة بشرح عميق جداً, ومدلل بالتجارب والأبحاث الدقيقة .

وهناك نكاح ذوات الرايات، يعني بيوت الدعارة، بيت عليه راية أن هذه المرأة تقتات بجسمها، والقول الجاهلي تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها, عقائد فاسدة، سلوك فاسد، تحريم مزاجي ، أنكحة فاسدة، خمر، ميسر، ظلم, قهر، عدوان، وأد بنات، قتل أولاد، هذه الجاهلية التي جاء فيها النبي عليه الصلاة والسلام .



والحمد الله رب العالمين

منقول عن: فقه السيرة النبوية- الدرس الثالث:( البيئة التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي عليه, ” 16
5
2005″)- لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

بحث هذه المدونة الإلكترونية

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Powered by Blogger